27-09-2025 10:20 AM
بقلم : احمد عبد الباسط الرجوب
الأردن في قلب العاصفة: إرادة وطنية لصناعة المستقبل في ظل رياح إقليمية عاتية
في خضمّ تحوُّل جيوسياسي تاريخي، حيث تتصادم المشاريع الإقليمية وتتآكل الأنظمة التقليدية، لم يعد الأردن مجرد متفرج أو حتى دولة "مستقرة" في محيط مضطرب. لقد أصبح قلب العاصفة نفسها. فالتحديات التي تواجه المملكة ليست هامشية، بل هي وجودية تتعلق بقدرتها على الصمود والمنافسة في نظام دولي جديد تتصارع فيه القوى العظمى على إعادة ترتيب الشرق الأوسط. إن الصمت الاستراتيجي أو تبني سياسات ترقيعية لم يعد خيارًا؛ فاللحظة الراهنة تتطلب جرأة في التشخيص وشجاعة في الفعل، تليق بتاريخ الأردن ومكانته.
أولاً: محيط متفجر.. جغرافيا الأزمات تعيد تشكيل الخارطة
لم تعد الاعتداءات الصهيونية في فلسطين مجرد انتهاكات لحقوق الإنسان، بل هي مشروع استعماري ممنهج يهدف إلى إعادة هندسة الواقع الديموغرافي والسياسي لكل المنطقة، مما يضع الأردن في خط النار المباشر سياسيًا وأمنيًا وإنسانياً.
إقليميًا، لم يعد "الربيع العربي" مجرد ذكرى، بل تحول إلى فضاء من اللااستقرار الدائم: سورية تمزقها القوى الدولية والإقليمية، ولبنان على حافة الانهيار الكلي، والعراق يعيد بناء نفسه وسط تنافس إقليمي حاد. وفي الجنوب، أصبحت المعادلة أكثر تعقيدًا مع صعود الحوثيين كقوة مؤثرة في بحر الأحمر والممرات المائية الحيوية، بينما تواصل إيران حربها بالوكالة، مما يجعل من سياسة "توازن السير على الحبل" التي يتبعها الأردن مهمة شبه مستحيلة دون رؤية استباقية واضحة.
ثانيًا: الرؤية الوطنية 2026-2030: من منطق الصمود إلى إستراتيجية التفوق
في هذا المشهد الكارثي، لا يمكن أن يكون هدف الأردن هو "البقاء" فحسب، بل يجب أن يكون الازدهار. هنا تأتي الرؤية الوطنية 2026-2030 كخارطة طريق للانتقال من حالة الدفاع إلى الهجوم البناء. إنها ليست وثيقة تقنية، بل هي عقد اجتماعي جديد يهدف إلى:
· تحويل الاقتصاد من اقتصاد ريعي قائم على المساعدات والضرائب إلى اقتصاد إنتاجي تنافسي قائم على المعرفة والابتكار.
· تمكين الإنسان الأردني ليكون رأس المال الحقيقي، من خلال ثورة في التعليم وسوق العمل.
· إدارة الموارد المائية والطبيعية كقضية أمن قومي.
· جعل جودة الحياة معيارًا لحوكمة الحكومة، من خلال خدمات صحية وتعليمية وبنية تحتية من الطراز العالمي.
ثالثًا: هندسة الاقتصاد: من الخطط الورقية إلى ورش العمل الوطنية
الرؤية تتحول إلى سراب إذا لم تترجم إلى إجراءات جذرية. نحن بحاجة إلى إعادة هيكلة جذرية، تشمل:
· التحول إلى حاضنة عالمية للاستثمار في قطاعات الثورة الصناعية الرابعة: الطاقة المتجددة، التكنولوجيا المالية، الذكاء الاصطناعي، والبيوتكنولوجي.
· تحفيز القطاع الخاص ليكون قاطرة النمو الحقيقية، عبر بيئة تشريعية واستثمارية لا تعيق بل تيسر.
· بناء شراكات إستراتيجية مع دول الخليج والاتحاد الأوروبي وآسيا تقوم على التكامل الاقتصادي وليس المساعدة، لفتح أسواق جديدة وضمان تدفقات مالية وتكنولوجية.
رابعًا: الحوكمة الرشيدة: الاقتصاد لا ينمو في ظل فساد أو بيروقراطية
لا يوجد اقتصاد قوي بدون مؤسسات قوية. أي إصلاح اقتصادي سيفشل بدون إصلاح إداري جذري يقوم على:
· سياسة مالية متزنة تحارب التضخم وتدعم العملة الوطنية وتعيد هيكلة الدين.
· نظام مصرفي آمن وشفاف يشجع الادخار المحلي ويجذب الاستثمار الأجنبي.
· حكومة إلكترونية فاعلة تقضي على البيروقراطية والفساد، وتخضع للمساءلة الحقيقية.
خامسًا: الإصلاح السياسي: الديمقراطية التوافقية ضمانة الاستقرار
الاستقرار الاقتصادي وهمي بدون استقرار سياسي. إن ضعف الحياة الحزبية وتحولها إلى "ديكور ديمقراطي" يهدد النسيج الاجتماعي. المطلوب:
· انتقال جدي من نظام المحاصصة إلى نظام الأحزاب البرامجية الفاعلة في البرلمان والمجالس المحلية.
· اعتبار الإصلاح السياسي والتشاركية ضمانة للاستقرار وليس تهديدًا له.
سادسًا: دعوة إلى مؤتمر وطني: لحظة أم قيس جديدة
كما اجتمعت العقلية الأردنية في مؤتمر أم قيس (1920) لوضع الأسس الأولى لإمارة مستقلة، فإننا اليوم أمام لحظة تأسيسية مماثلة. ندعو إلى عقد مؤتمر وطني جامع (مشروع الأردن 2030) يضم جميع شرائح المجتمع: الأحزاب، النقابات، القطاع الخاص، الشباب، المرأة، والمفكرين.
هدف هذا المؤتمر هو الخروج بـ ميثاق وطني تنموي يكون مرجعية للدولة والمجتمع في العقد القادم، بعيدًا عن الأجندات الضيقة والإملاءات الخارجية.
خاتمة: اللحظة التاريخية لا تنتظر
المستقبل لا يُمنح، بل يُصنع بالإرادة. الأردن يمتلك من الإمكانيات البشرية والموقع الاستراتيجي ما يؤهله ليس فقط لعبور العاصفة، بل لقيادة ركب الإصلاح في المنطقة. ولكن الوقت ليس في صالحنا.
نحن لا نطلب إصلاحًا، بل نطلب ثورة إدارية واقتصادية وسياسية شاملة. هذا هو النداء الأخير قبل فوات الأوان. إلى صناع القرار في الحكومة ومجلسي الأعيان والنواب: الشعب لم يعد يطيق انتظار وعود لا تتحقق. التاريخ يحاسب، والفرصة أمامكم لكتابة فصل مشرف في سجل الأردن.
**باحث ومخطط استراتيجي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-09-2025 10:20 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |