25-09-2025 08:48 AM
بقلم : د. خالد السليمي
الأهمية الاستراتيجية لغور الأردن عبر التاريخ
يُعد غور الأردن أحد أهم المناطق الجغرافية في المنطقة، إذ يمثل الشريط الشرقي للضفة الغربية الممتد على طول نهر الأردن، هذه المنطقة لم تكن يوماً مجرد أرض زراعية، بل شكلت منذ العصور القديمة نقطة عبور للتجارة والجيوش، وبرزت أهميتها الحديثة بعد حرب 1967 عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية بما فيها الغور، بالنسبة للفلسطينيين، يُعد الغور العمق الاقتصادي والزراعي لدولتهم المنشودة، حيث يضم 30% من مساحة الضفة ويُعتبر "سلة غذاء فلسطين"، أما بالنسبة للأردن، فهو خط تماس مباشر مع حدوده الغربية، وأي تغيير في وضعه القانوني يهدد الأمن الوطني الأردني بشكل مباشر، هذه الأهمية جعلت غور الأردن ساحة نزاع دائم، حيث تتقاطع فيه المصالح الأمنية الإسرائيلية مع الحقوق التاريخية الفلسطينية والسيادة الأردنية في حماية حدودها واستقرارها.
أطماع نتنياهو وخطط الضم
منذ عودته إلى الحكم عام 2009، أظهر بنيامين نتنياهو اهتماماً خاصاً بغور الأردن، لكنه كشف أوراقه بشكل علني في سبتمبر 2019، عندما أعلن قبيل الانتخابات عزمه على ضم الغور إلى السيادة الإسرائيلية إذا فاز، جاء هذا الإعلان مدعوماً بـ"صفقة القرن" التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولايته الأولى في يناير 2020، والتي منحت إسرائيل الضوء الأخضر لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، بما فيها الغور، يرى نتنياهو أن الغور يمثل "الحد الشرقي لإسرائيل" ويُشكل حاجزاً دفاعياً ضد أي تهديد محتمل من الشرق، لكن في العمق، أطماعه ليست فقط أمنية، بل تمتد إلى السيطرة على الأراضي الزراعية الخصبة والمياه الجوفية، ضم الغور يعني عملياً إنهاء أي أفق لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتحويلها إلى كانتونات معزولة بلا منفذ خارجي، وهو ما يكشف حقيقة المشروع الاستيطاني الإسرائيلي.
التأثيرات على فلسطين والأردن
ضم غور الأردن ستكون له تداعيات خطيرة على الفلسطينيين أولاً، إذ يحرمهم من 30% من أراضي الضفة الغربية ويقطع تواصلهم الجغرافي مع الأردن والعالم العربي، هذا العزل سيجعل أي كيان فلسطيني مستقبلي مجرد مناطق معزولة بلا سيادة أو منافذ، أما الأردن، فإن الخطر يتجاوز الجانب السياسي إلى الأمن الوطني المباشر؛ فضم الغور يعني أن إسرائيل ستتمركز على طول الحدود الأردنية البالغة أكثر من 100 كيلومتر، تاريخياً، كان الأردن طرفاً أساسياً في المفاوضات المتعلقة بالغور، خاصة في اتفاقية وادي عربة 1994، التي اعترفت بالحدود الشرقية لإسرائيل مع الأردن، أي محاولة إسرائيلية لفرض السيادة على الغور تعني عملياً نسف هذه الاتفاقية وتقويض الدور الأردني كضامن للأمن والاستقرار الإقليمي، هذا السيناريو يُعيد المنطقة إلى حالة توتر تهدد السلام الهش الممتد منذ عقود.
الدور الأردني بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين
منذ إعلان نتنياهو خطط الضم، وقف الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في الصف الأول للدفاع عن غور الأردن ومنع تهويده، الملك حذر بوضوح في مايو 2020 من أن ضم الغور سيؤدي إلى "صِدام كبير" مع الأردن، مؤكداً أن هذه الخطوة ستقوض معاهدة السلام وتهدد استقرار المنطقة بأكملها، الموقف الأردني لم يكن خطابياً فقط، بل رافقه تحرك دبلوماسي نشط على المستوى العربي والدولي، حيث قاد الملك جهوداً في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لإفشال مشاريع الضم، أهمية هذا الدور تكمن في أن الأردن ليس فقط خط الدفاع الأخير عن فلسطين، بل أيضاً الحامي للقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، صمود الأردن في هذا الملف يعكس التزاماً استراتيجياً عميقاً بالحفاظ على هوية المنطقة، ومنع مشاريع التهويد التي يسعى نتنياهو لفرضها بالقوة.
الخاتمة
إن قصة غور الأردن ليست مجرد نزاع جغرافي على أرض تمتد على طول نهر، بل هي معركة هوية ووجود ورمز للمستقبل الفلسطيني والعربي، أطماع نتنياهو بضم هذه المنطقة تكشف الوجه الحقيقي للمشروع الاستيطاني الذي يسعى لتقويض كل فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ويضع الأردن في مواجهة مباشرة مع تحديات وجودية وأمنية تهدد استقراره ومكانته الإقليمية، غير أن الموقف الأردني، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، يعكس الإرادة الصلبة بأن أمن الأردن هو أمن فلسطين، وأن حماية الغور تعني حماية القدس وحماية المستقبل العربي برمته، إن العالم اليوم أمام لحظة اختبار حقيقية: إما أن يقف في وجه سياسات الضم والتهويد، أو يترك المنطقة تنزلق نحو صراع لا ينتهي، وفي هذه اللحظة التاريخية، يصبح غور الأردن رمزاً للمقاومة السياسية والدبلوماسية، وصوتاً يصرخ في ضمير الإنسانية أن الحق لا يُمحى، وأن الأرض ستبقى عنواناً للكرامة مهما طال زمن الاحتلال.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-09-2025 08:48 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |