24-09-2025 10:10 AM
بقلم : د. نضال المجالي
على ضفة نهرٍ لا ينام، حيث الماء يشهد ولا يبوح، يمتد جسر الملك حسين – أو كما يعرفه اغلب الأشقاء بجسر اللنبي أو الكرامة – كخيط من الأمل المشدود بين واقعين، وكأنّه وريد نابض يصل الجسد الفلسطيني بالعالم الخارجي، ويمنحه متنفسا في زمن تختنق فيه الجغرافيا. ليس الجسر مجرد إسمنت وحديد، بل ذاكرة حيّة، وحكاية عبور، ورمزٌ لكرامة لا تنحني.
تعددت أسماؤه وتنوعت دلالاته. سُمّي “اللنبي” تيمّنا بجنرال بريطاني، حينما كانت الإمبراطورية تقيس الأرض بخطوات العسكر. ثم صار “جسر الكرامة”، وفاء لمعركة صاغت مفردات الكبرياء العربي ببطولات أردنية على تراب بلدة الكرامة الأردنية. وأخيرا، حمل اسم الملك الحسين، الذي أبى أن يُقطع هذا الشريان رغم العواصف، فظل مفتوحا، حيّا، حاضرا، كواجب أخلاقي لا يقبل المساومة.
منذ النكسة وحتى يومنا، لم يكن الجسر ممرا عاديا؛ بل ممرٌّ للأمل والخوف في آن معا. عبره تمر الأمهات بدموع الشوق، والطلبة بحقائب المعرفة، والمرضى بأمل الشفاء، وأصحاب الغربة بحق العودة. هو معبرٌ لا يشبه سواه، تلتقي فيه دموع الفراق بفرح الوصول، وتُطوى فيه المسافات بأوجاع الحواجز وتفتيش الانتظار. ومع كل عبور، يُولد حُلم صغير، بأن يظل هذا الجسر… مفتوحا.
في قلب هذه الرحلة الطويلة، كان هناك الكثير ممن وجد وعمل ليخدم ويقدم وينظم ويجعل الوجع املاً كوزارة الداخلية الأردنية وإدارة المخابرات العامة وإدارة أمن الجسور والجمارك الاردنية وغيرهم وايضاً كانت شركة جت الأردنية والتي تجاوز دورها أكثر من مجرد ناقل بين نقطتين؛ كانت رفيقة عبور، حافظة للحكايات. جسر الملك حسين قصة ممرّ الذاكرة، لعقودٌ من الزمن مضت، تكتب سطورا صامتة في رواية شاهدة على لحظات لن تُنسى، عاشه الأردن في تعاون مستمر لضمان انسيابية هذا النبض الإنساني.
ورغم ما يشهده الإقليم من تغيرات، يبقى جسر الكرامة خارج الحسابات؛ لا يجوز له أن يُختزل في موقف سياسي أو يُوظف في خطاب عابر. تعطيل الجسر، ولو ليوم، يعني إغلاق رئة لفلسطين. والمطلوب، أكثر من أي وقت، أن نحفظ له حياده، ونرفع عنه كل ما يثقل كاهله من تعقيدات مصطنعة. وبطولات فيها قولان واكثر وعندي فيها قول واحد، هو ليس ورقة ضغط، بل عهد شرف، وخط أمان لا يقبل التلاعب.
هذا الجسر هو البوابة، هو الرسالة، هو اليد التي تمتد من الضفة إلى الضفة لتقول: ما زال هناك مَن يؤمن بأن الإنسان أولاً. فيه تتقاطع السياسة والوجع، ولكن يجب أن تسمو فوقهما الكرامة، كاسمه. فليبقَ الجسر حراً من القيود، نقياً من الأجندات، وليظل كما أرادته الجغرافيا والتاريخ… جسراً للناس، لا للخصومة والتجارب وأهواء اي فئة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
24-09-2025 10:10 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |