23-09-2025 03:43 PM
بقلم : فيصل تايه
قررت لجنة عمليات السوق المفتوحة في البنك المركزي الأردني في اجتماعها السادس لهذا العام ، تخفيض "سعر الفائدة الرئيسي" للبنك المركزي وبقية أسعار فائدة أدوات السياسة النقدية بمقدار "٢٥" نقطة أساس، حيث طبق هذا القرار اعتباراً من صباح يوم الأحد الماضي الموافق ٢١ أيلول ٢٠٢٥م ، والذي جاء ضمن نهج "البنك المركزي" في متابعة التطورات الاقتصادية والنقدية والمالية محلياً ودولياً ، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي في الأردن ، وسط توقعات بمزيد من التخفيضات خلال المرحلة المقبلة.
اليوم ومع هذا الإعلان تزايدت التساؤلات حول الجدوى الفعلية لمثل هذه القرارات على حياة المواطنين اليومية ، مع العلم ان البنك المركزي سبق ان اصدر سلسلة من "التخفيضات" الملزمة لكافة البنوك العاملة في المملكة، لتنعكس على قروض الأفراد والشركات تدريجياً وفق دورية تعديل الفائدة المنصوص عليها في العقود ، سواء كانت سنوية أو نصف سنوية أو ربع سنوية ، أي أن الفائدة تُراجع تلقائياً عند حلول موعد التعديل المتفق عليه في العقد.
هذه "التخفيضات" كان يفترض أن تخفف كلفة الاقتراض وتقليص الأعباء المالية ، خاصة على أصحاب القروض السكنية طويلة الأجل ، لكن على أرض الواقع ، لم يلمس المواطنون أثراً إيجابياً، بل يجد كثير منهم أن الأقساط ترتفع بدلاً من أن تنخفض، حتى في القروض المنتهية بالتمليك ذات الفائدة المتناقصة ، وهكذا تتحول وعود التيسير النقدي إلى عبء إضافي يثقل كاهل الأسر الأردنية ، كاشفةً عن فجوة عميقة بين ما يُعلن في بيانات السياسة النقدية وما يعيشه المواطن فعلياً.
من الواضح ان القروض الأكثر شيوعاً بين الموظفين والمتقاعدين وذوي الدخل المتوسط ، هي القروض السكنية المنتهية بالتمليك ، اذ تُسوّق عادة بشعارات مثل "الفائدة المتناقصة" أو "العائد المخفض" ، بل إن بعض البنوك روجت لمبادرات بفوائد ثابتة أولية مرتبطة بقرارات البنك المركزي ، ومع ذلك، عندما يصدر قرار فعلي بخفض الفائدة، لا يلمس المقترض أي انعكاس على قسطه الشهري ، إذ غالباً ما تحتوي العقود على بنود تسمح للبنوك بإعادة التسعير وفق آليات داخلية أو بمواعيد غير متزامنة مع قرارات المركزي، وهو ما يمنحها القدرة على الاحتفاظ بهوامش أرباحها على حساب المواطن.
النتيجة أن القروض التي يفترض أن تساعد المواطن على امتلاك بيت العمر تحولت إلى عبء دائم يستنزف الراتب ، فبدلاً من أن يرى المستفيد من "الفائدة المتناقصة" قسطاً يتراجع مع الوقت ، يجد نفسه أمام تثبيت للفائدة عند مستويات مرتفعة أو زيادات متواصلة، في تناقض تام مع الهدف المعلن للسياسة النقدية.
البنوك التجارية بدورها تتعامل مع قرارات خفض الفائدة بانتقائية واضحة ، فهي تسارع إلى تقليص العوائد على المدخرات لتقليل كلفتها الداخلية، لكنها تتباطأ في تمرير التخفيض للمقترضين، أو تحجب أثره بصيغ تعاقدية معقدة ، او بمعنى آخر، "تتجنب" خفض الفائدة على القروض لتظل أرباحها محفوظة على حساب المقترض ، وهكذا يبقى المواطن الحلقة الأضعف، يدفع أقساطاً أعلى في وقت ترتفع فيه كلف المعيشة وتتآكل قدرته الشرائية ، ورغم أن تعليمات البنك المركزي تنص على حماية المستهلك المالي وضمان الشفافية والعدالة ، إلا أن غياب آلية رقابية صارمة جعل البنوك تتعامل مع القرارات وكأنها شأن داخلي بحت.
صحيح أن هناك فترة تباطؤ طبيعية بين قرارات خفض الفائدة وانعكاسها على السوق، نتيجة ارتباط القروض الممنوحة بكلف الودائع القائمة، التي تحتاج إلى آجال زمنية لإعادة تسعيرها، إلا أن المتعارف عليه أن هذه الفترة لا تتجاوز "ربع سنة" في معظم الحالات ، لكن ومع ذلك، فإن استمرار ارتفاع الأقساط بعد مرور هذه المدة يعكس خللاً في آليات تمرير القرارات إلى المستهلك النهائي.
إلى جانب ذلك ، يجب ان تفعيل وتعزيز الدور المطلوب من جمعيات حماية المستهلك في الأردن ، على غرار ما هو معمول به في الدول المتقدمة حيث تشكل هذه الجمعيات أداة ضغط قوية عبر توجيه المستهلك، وتوفير المعلومة، والضغط على السياسات ، لذلك فان ضعف هذه الجمعيات أو خضوعها للسيطرة يترك المواطن وحيداً في مواجهة البنوك ، ويضاعف من مسؤولية السلطات النقدية والرقابية في ضمان العدالة والشفافية.
المطلوب اليوم ليس بيانات جديدة أو وعود عامة، بل قرارات واضحة وصارمة تُلزم البنوك التجارية بالالتزام الفوري بقرارات المركزي ، كما يجب فرض آلية ملزمة تعيد احتساب أقساط القروض السكنية وفق أسعار الفائدة الجديدة فور صدور القرارات، لا عند دورة إعادة التسعير السنوية ، كذلك، على البنوك نشر تقارير شفافة توضح للمجتمع والسلطات الرقابية كيف انعكست التخفيضات على القروض، مع إتاحة مسار رقابي مباشر يتيح للمواطن تقديم شكوى إذا لم تخفض أقساطه بما يتناسب مع السياسات النقدية ، كما ومن الضروري أيضاً إعادة النظر في العقود القديمة وتعديلها بما ينسجم مع القرارات الوطنية، فامتلاك منزل لا يجوز أن يبقى حلماً معلقاً بديون مرهقة.
في النهاية، فإن عدالة السياسات الاقتصادية لا تُقاس بالأرقام المجردة بل بمدى انعكاسها على حياة المواطن ، وإذا كان البنك المركزي يريد لقراراته أن تحمل وزناً حقيقياً، فعليه أن يضمن أن كل نقطة أساس يخفضها تصل مباشرة إلى جيب المقترض، وألا تبقى أسيرة بنود غامضة أو جشع البنوك التجارية.
بدون ذلك ، ستظل الفائدة تنخفض على الورق فقط بينما الأقساط ترتفع على أرض الواقع ، اذ ان إعادة النظر في القروض السكنية لم تعد مطلباً شعبياً فحسب، بل ضرورة وطنية لضمان العدالة والاستقرار الاجتماعي، وإعادة التوازن بين قوة البنوك وحق المواطن.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-09-2025 03:43 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |