14-09-2025 08:51 AM
بقلم : عبد اللطيف (الجمل) القطامين
لم تكن الأطماع التوسعية لإسرائيل وليدة اللحظة أو مجرد سياسة حكومة يمينية متشددة، بل هي مشروع استراتيجي متجذر منذ تأسيس الدولة العبرية. الوثائق السرية الأمريكية التي كُشف عنها بعد حرب 1967، وخطط إسرائيل الرسمية مثل "خطة ألون"، تؤكد أن التوسع كان قرار دولة ممنهج، لا مجرد طموح عابر. وما يجري اليوم من استيطان في الضفة الغربية وغور الأردن ومشاريع مثل E1، ما هو إلا استمرار لمسار قديم يندمج اليوم مع مشروع "الإبراهيمية" الذي يُستخدم كغطاء للتطبيع وإعادة صياغة المنطقة.
أولاً: الجذور التاريخية – وثائق 1967 وخطة ألون
بعد انتصار إسرائيل في حرب 1967 واحتلالها للضفة الغربية والقدس والجولان وسيناء، بدأت مرحلة جديدة من التوسع. الوثائق السرية الأمريكية التي رُفعت عنها السرية لاحقاً أظهرت:
التخطيط الاستيطاني المبكر: منذ عام 1969 كانت إسرائيل قد أنشأت 22 مستوطنة جديدة في الجولان والضفة وسيناء، بتمويل ضخم من الوكالة اليهودية.
دمج اقتصادي وزراعي: لم يكن الهدف عسكرياً فقط، بل العمل على جعل الأراضي المحتلة جزءاً عضوياً من الاقتصاد الإسرائيلي عبر الزراعة والبنية التحتية.
خطة ألون (1967): طرحت رسمياً إقامة منطقة أمنية على طول نهر الأردن بعمق 15 ميلاً، وإقامة 20 مستوطنة حدودية، مع تهجير الفلسطينيين إلى الأردن ورفض العودة إلى حدود 1967.
هذه الوثائق تُظهر أن الإجماع الإسرائيلي – سواء من حزب العمل أو الليكود – كان يتمحور حول الاحتفاظ بالقدس والجولان ومعظم الضفة، ما يجعل التوسع سياسة دولة لا خيار حزب.
ثانياً: الدعم الأمريكي – الإدراك والتواطؤ
الوثائق الأمريكية لم تكن مجرد متابعة، بل أظهرت أن:
واشنطن كانت على علم دقيق بعدد المستوطنات والميزانيات المخصصة لها.
المسؤولون الأمريكيون وصفوا المشروع بأنه "استيطان شبه عسكري" يخلق وقائع ديموغرافية.
النقاشات الأمريكية لم تكن عن "إيقاف المشروع" بل عن "إدارة تداعياته".
وهذا يفسر كيف تحوّل الدعم الأمريكي لاحقاً إلى غطاء سياسي ودبلوماسي وعسكري مكّن إسرائيل من تحويل مخططاتها السرية إلى وقائع ميدانية.
ثالثاً: الوقائع الحالية – مشروع E1 وغور الأردن
اليوم، تتكرر ذات السياسة بوضوح أكبر:
مشروع E1: صادق نتنياهو على خطة لتوسيع مستوطنة معاليه أدوميم عبر آلاف الوحدات السكنية، ما يؤدي إلى فصل الضفة الغربية وعزل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطيني. تصريح نتنياهو كان حاسماً: "لن تكون هناك دولة فلسطينية أبداً".
غور الأردن: يمثل نحو 30% من مساحة الضفة، ويمتد من بيسان شمالاً إلى عين الجدي جنوباً. منطقة خصبة وصالحة للزراعة والطاقة، لكنها تُستغل إسرائيلياً كمنطقة عسكرية مغلقة. السيطرة على الأغوار تعني خنق أي دولة فلسطينية محتملة وقطع اتصالها مع العمق العربي.
بهذا يصبح الاستيطان أداة للضمّ العملي، دون الحاجة إلى إعلان رسمي.
رابعاً: المشروع الإبراهيمي – الوجه الناعم للاحتلال
إلى جانب الجرافات، يطل المشروع الإبراهيمي كأداة ناعمة لإعادة صياغة الصراع:
طرح "التعايش بين الأديان الإبراهيمية" لتبرير وجود إسرائيل كجزء طبيعي من المنطقة.
إزاحة البعد السياسي للقضية الفلسطينية وتحويلها إلى مسألة ثقافية أو دينية.
تقليص مركزية القدس والأقصى عبر تصويرهما كـ"رموز مشتركة".
بهذا، يصبح المشروع الإبراهيمي مكملاً للاستيطان: الأول يغير الوعي والشرعية، والثاني يغير الجغرافيا.
خامساً: الغيتوهات – المفارقة التاريخية
اليهود في أوروبا عاشوا في غيتوهات مغلقة، محرومين من الحرية والاندماج. اليوم، تعيد إسرائيل إنتاج نفس النموذج ولكن ضد الفلسطينيين:
الجدار العازل والمستوطنات تحاصر القرى والمدن الفلسطينية.
الفلسطينيون يعيشون في "معازل" محاصرة بالبوابات العسكرية.
بدلاً من أن تكون الغيتوهات ذكرى أليمة، صارت إسرائيل تُمارسها كأداة للسيطرة.
سادساً: التحليل الاستراتيجي – الاستمرارية عبر الزمن
منذ 1967 وحتى اليوم، نرى استمرارية واضحة:
1. استراتيجية إسرائيلية ثابتة: التوسع والاحتفاظ بالأرض.
2. غطاء أمريكي متواصل: إدراك وتواطؤ منذ الستينات حتى إدارات ترامب وبايدن.
3. تكامل الأدوات: الاستيطان (الجغرافيا) + المشروع الإبراهيمي (الأيديولوجيا) + التطبيع (السياسة).
خاتمة
ما يحدث اليوم في الضفة وغور الأردن ليس حدثاً معزولاً، بل امتداد لخطط وضعت قبل أكثر من نصف قرن. الوثائق السرية وخطة ألون تكشف أن "إسرائيل الكبرى" لم تكن شعاراً بل مشروعاً واقعياً، وأن الدعم الأمريكي كان عنصراً حاسماً في إنجاحه. أما المشروع الإبراهيمي، فهو الحلقة الأحدث التي تحاول منح الاحتلال شرعية حضارية تحت شعار "التعايش".
إن الخطر الحقيقي ليس فقط في الجرافات التي تقتلع الأرض، بل أيضاً في الخطابات الناعمة التي تقتلع الوعي. وبين الغيتوهات الأوروبية القديمة والمعازل الفلسطينية الحديثة، تتكشف المفارقة: الضحية السابقة تحولت إلى جلاد يعيد إنتاج المأساة.
الكاتب / عبد اللطيف (الجمل ) القطامين
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-09-2025 08:51 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |