13-09-2025 02:33 PM
بقلم : د. خالد السليمي
ضربة تجاوزت الخطوط الحمراء
في يوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025، أقدمت إسرائيل على ضربة عسكرية مباشرة استهدفت قطر، في خطوة فُسّرت على أنها تجاوز غير مسبوق لكل الأعراف والقوانين الدولية، هذا الحدث لم يكن مجرد ضربة عابرة، بل تحوّل إلى زلزال سياسي ودبلوماسي عصف بموازين المنطقة، فقد كسرت إسرائيل، ولأول مرة، الخطوط الحمراء مع دولة تُعد وسيطاً دولياً مؤثراً، وعضواً فاعلاً في تحالفات إقليمية ودولية، الضربة وضعت تل أبيب في مواجهة ليس فقط مع قطر، بل مع محيط عربي وإسلامي غاضب، وأيقظت ذاكرة الشعوب تجاه عدوانية إسرائيل غير المحدودة.
الغضب القطري... وتحول الخطاب السياسي
لطالما تميزت قطر بدورها التوافقي والوسيط النشط، إلا أن ضربة 9 سبتمبر قلبت المعادلة، في خطاب استثنائي، خرجت الدوحة عن هدوئها المعتاد، مستخدمة لغة سياسية صارمة غير مسبوقة، الرسالة كانت واضحة: "قطر لن تصمت بعد اليوم على الاستهداف المباشر لسيادتها"، هذا التحول المفاجئ في الخطاب القطري، الذي عادة ما يوازن بين القوى مثّل مؤشراً على دخول مرحلة جديدة من التحدي المفتوح بين إسرائيل وقطر، مع انعكاسات مباشرة على المنطقة بأسرها.
مجلس الأمن... مشهد العزلة الإسرائيلية
في اليوم التالي، 10 سبتمبر 2025 شهد مجلس الأمن جلسة استثنائية عكست عزلة إسرائيل غير المسبوقة، ولأول مرة منذ عقدين، امتنعت الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو المباشر لحماية إسرائيل، ليس لأنها ضد الضربة، بل لأن الغضب الدولي من التصعيد المتهور جعل الموقف الأمريكي حرجاً، خطابات ممثلي الدول، وعلى رأسها الأردن وإسبانيا، كانت نارية وغير اعتيادية، لتضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع العالم، لقد بدت تل أبيب في عزلة سياسية خانقة، وهو تطور استراتيجي له ما بعده.
الأردن: خطاب استثنائي يلامس حدود التهديد
من أبرز ملامح المشهد السياسي ما أعلنه الأردن في مجلس الأمن، بخطاب غير مسبوق منذ بداية القرن الحادي والعشرين، الخطاب الأردني حمل في طياته لهجة قريبة من التلويح بالتصعيد، مؤكداً أن "الأردن لن يقف مكتوف الأيدي أمام أي تهديد مباشر لأمنه القومي"، هذه الرسالة أعادت للأذهان تاريخ الأردن في مواجهة التحديات، بدءاً من معركة الكرامة 1968 وحتى صلابته في التعامل مع أزمات المنطقة، لقد شكّل هذا الموقف إضافة استراتيجية لرصيد الأردن الإقليمي، ورسالة صريحة بأن التهديدات الإسرائيلية ستجد أمامها جداراً صلباً.
لقد جاء خطاب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مجلس الأمن الدولي بمثابة رسالة استثنائية تحمل ثقل الموقف الأردني الراسخ تجاه القضية الفلسطينية، متجاوزاً حدود الدبلوماسية التقليدية إلى خطاب يمس القلوب والعقول معاً، فقد أكد الصفدي أن "الأمن لن يتحقق في منطقتنا ما لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة"، مشدداً على أن الأردن لن يقبل "بمنطق القوة والبلطجة السياسية التي تمارسها حكومة نتنياهو"، وقد بدا الخطاب كأنه جرس إنذار للعالم أجمع، يطالب الغرب والشرق على حد سواء بمراجعة مواقفهم إزاء جرائم الاحتلال وانتهاكاته المستمرة، لم يكن الصفدي في كلمته مجرد ناقل لموقف رسمي، بل كان صوتاً صريحاً يُمثل الضمير العربي والإسلامي في الدفاع عن فلسطين، ففي اقتباس مباشر قال: "لا يمكن أن يستمر العالم صامتًا أمام هذا الظلم الفاضح"، موجهًا خطابه بجرأة إلى القوى الكبرى التي تغض الطرف عن المأساة، هذا الخطاب العميق أعاد التأكيد على أن الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، سيظل في مقدمة المدافعين عن الحقوق الفلسطينية المشروعة، رافضاً الاستسلام للضغوط أو المساومات، ومعلناً أن "القدس خط أحمر" وأن بقاء القضية الفلسطينية حيّة في الوجدان العالمي واجب إنساني قبل أن يكون سياسياً.
الولايات المتحدة في مأزق استراتيجي
الضربة الإسرائيلية لم تُحرج قطر فقط، بل وضعت الولايات المتحدة في مأزق كبير، فواشنطن التي تعتمد على قطر كوسيط مهم في ملفات عديدة، لم تتمكن من إخفاء غضبها من "الفشل الإسرائيلي" في إدارة التصعيد، في اليوم ذاته، هرع كبار المسؤولين الأمريكيين من وزير الخارجية إلى وزير الدفاع، وصولاً إلى الرئيس نفسه لعقد لقاءات طارئة مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، هذا الحراك الأمريكي العاجل يعكس حجم القلق من فقدان قطر كوسيط، ومن احتمالية تحول الغضب العربي والإسلامي إلى قرارات عملية ضد إسرائيل.
قطر تستثمر أوراق القوة
لا يُمكن فصل الرد القطري عن شبكة نفوذها الإعلامية والسياسية والاقتصادية، بفضل قوة الجزيرة الإعلامية، التي تُعد المنبر الأقوى في العالم العربي، تحوّل الغضب القطري إلى موجة جماهيرية عابرة للحدود، في الوقت ذاته، استثمرت قطر علاقاتها الدولية وأموالها بذكاء، لتكسب دعماً من قوى مؤثرة في أوروبا وآسيا، هذا التوازن بين القوة الناعمة والقدرة المالية منح قطر موقعاً استثنائياً، جعل الولايات المتحدة والغرب يسارعون لتهدئتها قبل أن تنفلت الأمور نحو تصعيد غير قابل للسيطرة.
القمة العربية - الإسلامية في الدوحة: ساعة الحسم
من المرتقب أن تُعقد يوم الأحد 14 سبتمبر 2025 قمة استثنائية لوزراء الخارجية العرب والمسلمين في الدوحة، يليها في اليوم التالي قمة موسعة على مستوى القادة، هذه الاجتماعات تأتي في لحظة غليان، وقد تكون للمرة الأولى في العقود الأخيرة منصة لاتخاذ قرارات عملية ضد إسرائيل، تتجاوز حدود "الإدانة والشجب"، السيناريوهات تشمل: قطع العلاقات الدبلوماسية، خطوات اقتصادية جماعية، وربما التلويح بعقوبات سياسية واسعة، وهو ما تخشاه إسرائيل والولايات المتحدة معاً، لأن عواقبه قد تغيّر قواعد اللعبة.
إسرائيل في فخ استراتيجي
الخطأ الأكبر الذي ارتكبته إسرائيل يوم 9 سبتمبر 2025 هو أنها كشفت نفسها كدولة مارقة لا تعترف بقوانين ولا توازنات، الضربة ضد قطر لم تحقق أهدافها العسكرية، لكنها فتحت جبهات سياسية ودبلوماسية جديدة تهدد تل أبيب بالعزلة، ومع تصاعد احتمالات فتح جبهات موازية في لبنان واليمن والعراق، وربما مع تركيا وباكستان، تبدو إسرائيل كـ "الثور الهائج" الذي يسير بسرعة نحو حتفه، هذه ليست مجرد رغبة عاطفية، بل قراءة واقعية لمعادلة اختلت موازينها بشكل جذري.
المصيدة الكبرى
لم يكن 9 سبتمبر 2025 مجرد يوم عادي في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي، بل لحظة مفصلية كشفت الوجه الحقيقي لإسرائيل وأحرجت حلفاءها الدوليين، الضربة ضد قطر فتحت بوابة الغضب العربي والإسلامي، وأظهرت أن الصبر قد نفد، وأن مرحلة جديدة بدأت، قطر، التي طالما لعبت دور الوسيط، تحولت إلى مركز إشعاع سياسي يجذب أنظار العالم، فيما وجدت الولايات المتحدة نفسها تركض خلف الأحداث بدلاً من إدارتها، أما الأردن، فقد قدّم خطاباً يُعيد إليه مكانته التاريخية كصوت صلب في مواجهة العدوان الإسرائيلي، العالم اليوم يشهد لحظة نادرة: إسرائيل ليست فقط في عزلة، بل في مصيدة صنعتها بيدها، والرهان على استدامة هذه اللحظة قد يكون بداية تحولات كبرى في معادلة الصراع، إن المصيدة ليست مجرد صورة بلاغية، بل حقيقة تترسخ يوماً بعد يوم، لتقول بوضوح: إسرائيل دخلت فخاً استراتيجياً قد لا تخرج منه بسهولة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-09-2025 02:33 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |