حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,13 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 7113

د. حسين سالم السرحان يكتب: في وداع القائد العروبي الأردني معالي الفريق الركن عواد الخالدي

د. حسين سالم السرحان يكتب: في وداع القائد العروبي الأردني معالي الفريق الركن عواد الخالدي

د. حسين سالم السرحان يكتب: في وداع القائد العروبي الأردني معالي الفريق الركن عواد الخالدي

12-09-2025 10:04 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. حسين سالم السرحان
“الرجال يموتون، لكن مآثرهم لا تموت”، ومع رحيل القائد العروبي الأردني معالي الفريق الركن عواد الخالدي، تطوى صفحة من صفحات الشموخ العسكري العربي، لكنها تبقى مفتوحة في ذاكرة الوطن والأمة، حاضرة في ضمائر من عرفوه، ومن تتلمذوا على يديه، ومن سمعوا عن سيرة رجل حمل السلاح بالعقل، والموقف بالحكمة، والانتماء بالصدق.

 



نودع اليوم قامة استثنائية نادرة، رحل بصمت الكبار الذين لا يطرقون الأبواب، بل يتركونها مفتوحة خلفهم لنسائم المجد والكرامة. كان رجلًا من زمن آخر، زمنٍ تتجسد فيه القيم ولا تُقال، وكان من أولئك الذين تُقرأ هيبتهم قبل أسمائهم. كان معالي الفريق الركن عواد الخالدي واحدًا من أبرز رجالات الجيش العربي الأردني، وأحد أوائل خريجي كلية ساندهيرست العسكرية الملكية العريقة، ممن نهلوا من معين الانضباط والعقيدة العسكرية الصافية، ليعودوا إلى الوطن قادةً لا يُشبهون إلا أنفسهم، ومثالًا للقائد الصلب المتزن، المؤمن بقضايا أمته وكرامة شعبه.

 



لم يكن مجرد ضابط يؤدي واجبه، بل كان من المؤسسين الذين ساهموا في ترسيخ البنية الصلبة للقوة والانضباط والهيبة داخل المؤسسة العسكرية الأردنية، وهو ما جعله محل ثقة القيادة الهاشمية، وعلى رأسها المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، الذي منحه ثقته الكاملة، وأوكل إليه واحدة من أنبل المهمات في تاريخه العسكري؛ تمثيل الأردن وإعارته إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في بدايات تأسيسها، ليضع مع نخبة من الرجال المخلصين اللبنة الأولى لقواتها المسلحة.

 


كان على قدر المهمة. بعقله الراجح، وخبرته العميقة، وإيمانه بوحدة المصير العربي، أسهم في تأسيس القوات المسلحة الإماراتية، واختير من قِبل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ليكون أول رئيس لهيئة الأركان العامة، في دلالة واضحة على ما كان يتمتع به من احترام وثقة وتقدير في الأوساط القيادية والعسكرية. لقد ترك هناك أثرًا لا يُمحى، وبصمة لا تُنسى، ليس فقط في الهيكلية والتنظيم، بل في نفوس أبناء الجيش الإماراتي الذين أحبوه كما يُحب الجنود قائدهم العادل، المنصف، المخلص، الذي يسبقهم إلى الميدان ويشاركهم المعركة والمصير.

 



وقد كنت محظوظًا بلقاء الفقيد في إحدى محطات حياته، حين جمعتني به جلسة في تونس الشقيقة، وكان برفقته رفيق دربه وصديقه المرحوم معالي عبد الهادي باشا المجالي، في زيارة للاطلاع على التجربة الحزبية التونسية. لم تكن لحظة عابرة، بل كانت لحظة تختزن في الذاكرة كل معاني العمق والهيبة والصفاء. كانا، بحق، شخصيتين فريدتين في الحضور والرؤية والإنصات والحديث. في حضورهما، كانت الحكمة تسبق الكلمات، والكاريزما تملأ المكان، والفرادة تتجلى في كل إيماءة ونظرة وموقف. كانت تلك لحظة تدرك فيها كيف تصنع الدول رجالها، وكيف يردّ الرجال الجميل للوطن، وكيف تبقى الحقيقة متجلية في وجوه لا تنكسر.

 



رحم الله القائد الكبير عواد الخالدي، فارسًا من فرسان الدولة في أحلك الظروف، وقد تولى وزارة الاقتصاد الوطني ووزارة الزراعة في السبعينيات، وشغل مناصب رفيعة في الجيش العربي والسلك الدبلوماسي، وظل وفيًا وابنًا بارًا للأردن، وعروبيًا لم يُغيّر البوصلة يومًا. عزاؤنا أنه ترك سيرة نظيفة، ورسالة متوهجة، وقيمًا باقية تتوارثها الأجيال. لقد رحل الجسد، لكن ما حمله من وفاء، وشجاعة، وكرامة، باقٍ في ضمير الأمة، لا يموت.

 



رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله ومحبيه ورفاق السلاح الصبر والسلوان. فقد رحل الجسد، لكن الرسالة باقية، والقيم التي حملها مستمرة، والعطاء الذي بذله لا يُنسى.




 

 

 








طباعة
  • المشاهدات: 7113
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
12-09-2025 10:04 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الاتصال الحكومي بقيادة الوزير محمد المومني؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم