بقلم : موفق عبدالحليم ابودلبوح
معيقات العمل التنموي في الأردن: قراءة تحليلية في التحديات البنيوية والفرص الكامنة
يشكّل العمل التنموي في الأردن ركيزة أساسية في معالجة الفجوات الاجتماعية والاقتصادية وتعزيز الاندماج المجتمعي وتحقيق العدالة في توزيع الفرص ورغم الزخم المؤسسي والاهتمام الدولي والإقليمي الداعم لهذا القطاع، إلا أن المسار التنموي يواجه جملة من التحديات البنيوية والإجرائية، التي تحد من فاعليته وتضعف من أثره طويل المدى.
ولعل أبرز المعيقات التي يواجهها العمل التنموي في الأردن يمكن تلخيصها بالاتي :
أولًا: محدودية التنسيق المؤسسي وتشتت الجهود
تُعدّ محدودية التنسيق بين الفاعلين في المشهد التنموي – من مؤسسات حكومية ومنظمات مجتمع مدني وجهات مانحة – من أبرز التحديات المعيقة لفعالية العمل التنموي وغالبًا ما تتسم التدخلات بالفردية وغياب الرؤية الوطنية التكاملية، مما يؤدي إلى تكرار البرامج، وتوزيع غير متوازن للتدخلات، خصوصًا في المناطق الأقل حظًا لذا فإن إنشاء آلية وطنية لتنسيق العمل التنموي، تحت مظلة وزارة معينة أو هيئة مستقلة، تشمل قاعدة بيانات مركزية للمشاريع، ونظام متابعة وتقييم موحد، يضمن التوجيه الفعّال للموارد وتوزيعها بناءً على مؤشرات الحاجة التنموية.
ثانيًا: البيروقراطية والتشريعات المقيدة
تواجه المنظمات التنموية تحديات إدارية وتشريعية، تتعلق بالحصول على التراخيص أو تحويل التمويل أو تنفيذ الأنشطة الميدانية، مما يعكس هشاشة البيئة التمكينية للعمل المدني ويضعف من مرونة الاستجابة للمجتمع وهنا لابد من إعادة مراجعة الإطار التشريعي الناظم للعمل الأهلي بما يوازن بين الحوكمة والمتطلبات الأمنية من جهة وبين حرية التنظيم والاستجابة السريعة للتحديات المجتمعية من جهة أخرى، بالإضافة إلى إنشاء "نافذة خدمية موحدة" لتيسير الإجراءات وتخفيض الكلفة البيروقراطية.
ثالثًا: الاعتماد المفرط على التمويل الخارجي
يعتمد جزء كبير من البرامج التنموية في الأردن على التمويل الأجنبي والذي غالبًا ما يرتبط بتعليمات المانحين وقد يفتقر للتماهي مع الأولويات الوطنية أو الخصوصية الثقافية والاجتماعية للمجتمعات المستهدفة وعلية فإن تعزيز السيادة التمويلية من خلال تطوير شراكات وطنية مع القطاع الخاص، وإطلاق صناديق وطنية للتنمية، وربط بعض المشاريع بنماذج ربحية اجتماعية (social enterprises) تحقق الاستدامة والاستقلالية المالية النسبية.
رابعًا: ضعف المشاركة المجتمعية والتمكين المحلي
يغيب عن الكثير من المشاريع التنموية النهج التشاركي الحقيقي، حيث تُصمم التدخلات بمعزل عن احتياجات وتصورات المجتمعات المستهدفة مما يضعف من فرص استدامة الأثر ويكرّس التبعية للمشاريع ، حيث يجب تطبيق منهجيات تشاركية في كل مراحل المشروع (تصميم – تنفيذ – تقييم)، وتعزيز آليات المساءلة المجتمعية، بما يسهم في نقل الأفراد من متلقين للمساعدة إلى شركاء في التنمية.
خامسًا: فجوة العدالة الجغرافية والتنمية اللامركزية
تُظهر المؤشرات التنموية تفاوتًا كبيرًا بين العاصمة عمان والمناطق الطرفية، إذ يتركز العمل التنموي غالبًا في المدن الكبرى بينما تعاني المحافظات النائية من ضعف في الخدمات وفرص التمكين ولتقليص هذه الفجوة يتوجب علينا إعادة توجيه الاستثمارات التنموية نحو المحافظات الأقل حظًا، وتفعيل موازنات تنموية مخصصة للمجالس المحلية والبلدية، ضمن إطار لامركزي يدعم التخطيط المحلي القائم على الأدلة.
إن العمل التنموي في الأردن يقف عند مفترق طرق: فإما أن يبقى حبيس التدخلات المجزأة وردود الفعل قصيرة الأمد أو أن يتحول إلى مسار وطني مؤسسي قائم على الشراكة والتخطيط طويل المدى، يُعلي من شأن الإنسان ويُعيد الاعتبار للعدالة الاجتماعية والمجالية وتبقى الإرادة السياسية والإصلاح التشريعي وبناء الثقة بين المؤسسات والمجتمع هي المفاتيح الأهم لتجاوز العقبات وتحقيق أثر تنموي فعّال ومستدام.
موفق عبدالحليم ابودلبوح