09-09-2025 08:38 AM
بقلم : الدكتور علي فواز العدوان
الحرب بين إيران وإسرائيل لم تكن مجرّد جولة عسكرية عابرة، بل محطة استراتيجية استطاعت طهران أن تحوّلها إلى ورقة رابحة على أكثر من صعيد. فهذه الحرب كشفت هشاشة القوة الصاروخية والجوية الأمريكية، ورسّخت صورة إيران كقوة إقليمية صاعدة لا يمكن تجاوزها، كما منحتها زخماً إضافياً في تحالفاتها الدولية وملفها النووي.
أولاً: كشف محدودية الردع الأمريكي
منظومات الدفاع الجوي الأمريكية والإسرائيلية التي طالما رُوِّج لها كحصن منيع، عجزت عن اعتراض كامل للهجمات الصاروخية والمسيّرات الإيرانية. هذا الإخفاق لم يفضح فقط ثغرات عسكرية، بل ضرب في الصميم صورة الردع الأمريكي التي بنيت عليها معادلات النفوذ في الشرق الأوسط. تردد واشنطن في الرد المباشر كشف أن الولايات المتحدة لم تعد مستعدة لفتح مواجهة شاملة قد تُربك استراتيجيتها العالمية.
ثانياً: تعزيز المكانة الدولية لإيران
إيران خرجت من الحرب أكثر حضوراً على الساحة الدولية. فقد فرضت نفسها كقوة لا يمكن تجاوزها في أي حسابات أمنية أو سياسية تخص المنطقة. خطابها القائم على "الشرعية الدفاعية" و"حق الردع" أكسبها زخماً في الرأي العام العالمي، خاصة مع تزايد الانتقادات لإسرائيل بسبب جرائم غزة. هذه الحرب قدّمت إيران للعالم كقوة قادرة على كسر الاحتكار الغربي لمنطق القوة.
ثالثاً: تحالفات مع روسيا والصين
الحرب شكّلت فرصة ذهبية لتعزيز المحور الإيراني – الروسي – الصيني. موسكو رأت في الأداء الإيراني تعزيزاً لمشروعها في إضعاف الهيمنة الأمريكية، بينما استفادت الصين من صمود طهران لتمتين التعاون في مجالات الطاقة والبنى التحتية. لقد تحولت إيران من دولة محاصرة إلى لاعب دولي يجد دعماً من قوتين عالميتين تشتركان معها في كسر القطب الواحد.
رابعاً: تعزيز الردع الإقليمي
إطلاق طهران لترسانة صاروخية ومسيّرات بعيدة المدى في ظروف قتال واقعية، رفع منسوب الثقة لدى حلفائها الإقليميين مثل حزب الله والحوثيين والفصائل العراقية. هذا يعني أن أي حرب مقبلة ضد إيران لن تكون معزولة، بل ستشعل جبهات متعددة، وهو ما يزيد كلفة أي مواجهة على إسرائيل وحلفائها.
خامساً: البعد النووي
الأهم أن هذه الحرب منحت إيران ورقة قوة إضافية في ملفها النووي. فالدول الكبرى التي رأت حجم قدراتها الصاروخية والمسيّرات، تدرك الآن أن أي تفاوض معها حول البرنامج النووي لا يمكن أن يقوم على لغة التهديد والعقوبات فقط. إيران أثبتت أنها قادرة على الدفاع عن مشروعها النووي بترسانة ردع فعالة، بل وأرسلت رسالة واضحة: التقدم في مشروعها النووي لم يعد ورقة تفاوضية، بل أصبح حقيقة تدعمها القوة الصاروخية والقدرة على فرض توازنات جديدة.
سادساً: المكاسب الداخلية
داخلياً، استثمر النظام الإيراني هذه الحرب لإعادة توحيد الجبهة الداخلية حول "الانتصار الاستراتيجي" ضد إسرائيل وأمريكا. هذا الخطاب عزّز شرعية القيادة، واحتوى جزءاً من التململ الشعبي عبر تقديم صورة إيران كقوة لا تُهزم.
ختاما إيران استطاعت أن تحوّل حربها مع إسرائيل من مواجهة عسكرية إلى مكسب استراتيجي، فضحت به ضعف الردع الأمريكي، ورسّخت مكانتها الدولية و عزّزت تحالفاتها مع روسيا والصين، ورفعت من أوراق قوتها في الملف النووي. وهكذا، خرجت طهران من الحرب ليس كدولة مدافعة فقط، بل كقوة صاعدة تعيد تشكيل معادلات القوة في الشرق الأوسط والعالم.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-09-2025 08:38 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |