08-09-2025 08:45 AM
بقلم : ماهر أبو طير
تكتشف خلال عملك الصحفي أن هناك محرمات سياسية لدى البعض، إذ لو ناقشت مراحل سابقة لانفجر في وجهك مشككون.
ربما يعود هذا إلى قناعات سياسية، أو حالة تعلق وجدانية، أو إلى اصطفافات عمياء لا تقبل النقد بأثر رجعي، وفي كل الحالات هذا واقع غير منطقي، ومن حق البقية أن تسأل بجرأة ما دمنا جميعا نتفق على ألا نخون بعضنا البعض، ولا نصنف بعضنا أيضا.
بعد كل هذه السنين من توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 من حقنا أن نسأل إذا ما كانت هذه الاتفاقية مفيدة للقضية الفلسطينية، وبعيدا عن الإجابات التقليدية التي تقال دائما بكون أوسلو غرست بذرة الدولة الفلسطينية وسمحت بعودة مئات آلاف الفلسطينيين، وعززت الهوية الفلسطينية، وغير ذلك إلا أنها بالمقابل شرعنت وجود إسرائيل على ثلاثة أرباع فلسطين، وقدمت خدمة غير مباشرة للاحتلال من حيث تجميع المنظمات والمقاتلين في موقع واحد بدلا من ملاحقتهم في كل مكان، وأعادت إنتاج الدور الوظيفي لهياكل التحرير من خلال الأمن الفلسطيني الذي يلاحق الفلسطينيين، بل وأغرقت أهل الضفة في القروض للمصارف، بعد أن بتنا أمام حكومة فلسطينية لها كوادرها التي تعمل وتقبض نصف راتب وتستدين عليه من البنوك.
لا بد من جردة حساب اليوم لكل قصة أوسلو على يد المفكرين والسياسيين الوازنين، وعدم التغطي بالعواطف والشعارات، والتوقف عن تبرير اتفاقية أوسلو بكونها كانت اضطرارا فلسطينيا، في وجه استعصاء عربي ودولي، لأن العبرة بالنتيجة وهي نتيجة نراها اليوم في غزة والضفة الغربية، فيما قصة الاضطرار والكيد العربي والدولي لا تشرعن أوسلو أصلا، ولا كل ملحقاتها.
ياسر عرفات ورفاقه لهم من يحبونهم، ولهم من يعادونهم، وبينهما تيار ثالث يسأل سؤالا خارج الفريقين يقول هل كانت كلفة أوسلو كبيرة، وعادت على الشعب الفلسطيني بأي جدوى، وهو سؤال غير محرم لدى من لا يعبدون التاريخ والأشخاص، مثلما أنه سؤال مشروع، على شركاء أوسلو الإجابة عليه والإقرار بكل الكلف.
ثم لو عاد عرفات ورفاقه في أوسلو إلى الحياة مجددا، فكيف سيقيمون المرحلة، وهل سيجاهرون بالقناعات القديمة؟
هذا سؤال يأخذنا إلى أسئلة كثيرة حول كل قصة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والضغط لتكريس هذا التمثيل بعيدا عن المظلة العربية والإسلامية، وكلفة ذلك على كل الأطراف ووصولا إلى استعصاء الحل اليوم، حيث لا دولة ولا حرب ولا سلام.
لا رموز فوق النقد والمحاسبة والمحاكمة، لأن القضية هنا لا ترتبط بجزيرة معزولة وراء البحار، بل بأرض مقدسة اسمها فلسطين، والذي يأخذ قرارا بحقها دون توكيل من كل الفلسطينيين، سوى اللحظة وتكثيف التمثيل بمجموعة محددة، عليه أن يحتمل النقد وما هو فوق النقد، ليخبرنا عن الحل المتاح اليوم.
سألت مسؤولا فلسطينيا ذات مرة عن أوسلو، فقال لي بكل برود هي وراء ظهورنا، والإجابة اتسمت بالفوقية، لأنه لم يقل لي يومها ما هو الحل، ما دامت السلطة لا تريد حربا، ولا انتفاضة، ولا تفوز بجوائز أوسلو السياسية، ولا حتى على مستوى جوائز الترضية، ولا تعرف ماذا تفعل أيضا أمام مشهد يفكك ذات الضفة الغربية حيث تتمركز السلطة وبقايا أوسلو، وليس حماس والمقاومة، حيث معايير السلطة التي لم تشفع لها عند الاحتلال الذي يستبيح مدن الضفة ومخيماتها.
لماذا لا يخرج علينا مسؤولو السلطة باعتراف صريح أن أوسلو كانت أخطر ما تعرض له الشعب الفلسطيني بدلا من هذه المجادلة والمناكفة والبحث عن مهارب نجاة في توقيت ينهار فيه كل شيء تدريجيا، بل ويندفع المشروع الإسرائيلي نحو الضفة ودول جوار فلسطين، بدعم أميركي وغربي، يقول شيئا علنا، ويفعل شيئا سريا.
لقد ثبتت اليوم عبقرية الفلسطينيين والعرب الذين رفضوا أوسلو ساعة الإعلان عنه، واستبصروا غامض الغيب قبل أوانه.
الفلسطينيون عالقون في الضفة الغربية تحديدا في هذا التوقيت.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-09-2025 08:45 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |