07-09-2025 12:11 PM
بقلم : يوسف رجا الرفاعي
فرقٌ كبير بين تسميته "عرضاً"عسكرياً وبين تسميته بمسماه الحقيقي وهو استعراضٌ عسكريٌّ ، والاستعراض لغةً معناه إظهاراً للقوة مصحوباً بالافتخار والتحدي ولفتاً للانتباه باستعلاءٍ وثقةٍ وحسمٍ وجَزمٍ لا يشك فيه خبير عسكري قدير ولا انسان عادي مدني ليس له في العلم العسكري وما يتعلق به معرفةً من قريبٍ او بعيد ، وكل مَن شاهد هذا الاستعراض العسكري يُدركُ تماماً لماذا كانت ردة الفعل الامريكية عليه وهي اعتى قوة عسكرية على الارض بهذه اللهجة التي تؤكد على ان هذا الذي حدث لم يكن امراً عادياً وانما هو استعراض للقوة بتحدٍ علني صريح يدل على ذلك عرض هذه القوة بصورتها الحقيقية وليس من وحي العالم الافتراضي ولا واقع الذكاء الاصطناعي بل هي القوة المجردة بمعناها العسكري الذي تحمله تلك الاسلحة الفتاكة المرعبه بهيئتها وجهوزيتها الكامله .
لا أُحبُ التكرار ولا ارغب فيه ولكن استثنائية هذا الحدث جعلني أُكرِّر ما قيل عنه بانه لم يكن استعراضا وانما كان إعلاناً رسمياً عن انعطافةٍ تاريخيةٍ عالميةٍ بأعلى مستوى من الشفافية والوضوح والتحدي ، والناطق فيها هو القوة العسكرية نفسها التي لا تعرف الدبلوماسية وليس لها علاقة بها على الإطلاق فجاء الاعلان بصوت هدير الدبابات وأزيز الطائرات والصدمة الكبرى إطلالة الصواريخ ذات الرؤوس النووية الحمراء التي ظهرت للمرة الاولى هكذا مكشوفةً بلا غطاء ، فلا مجال لمُحللٍ عسكري أو مُتحدثٍ سياسي للادلاء بدلوه لكي يُضفي على مشهد الحدث شيئاً من التوضيح إن على المستوى العسكري او السياسي او كليهما معاً .
ادركَتْ الصين وحلفائها ان اللحظة الحاسمة للإعلان عن اظهار القوة قد حان موعدها "الآن"وذلك بعد ان لَفَظَ النظام العالمي انفاسه الاخيرة تحتَ قدمَيِّ الدولةِ المُنفَلتِ عقالها والتي تمردت عليه وأنهت وجوده بشكل علني ولم يعد يَعترِفُ به سوى المعذبون في الارض الذين لا يملكون من امرهم شيئا الذين لا حول لهم ولا قوه ، وحدهم هؤلاء تراهم يُوَقِّرون هذا النظام الذي أُعلنت شهادة وفاته ويستنجِدون به رغم علمهم بذلك ولكن هذا اقصى ما يستطيعون ، يستنجدون بمَيِّت ، وهو هيئة الامم المتحدة وملحقاتها مِن مجالسَ وهيئاتٍ ومحاكمَ ومنظمات ،
هذا الامر لا ينطبق بحال من الاحوال على دولٍ وازنةٍ لها من القدرات والامكانات ما يؤهلها لقول كلمتها عندما تدرك ان الوقت قد حان وهذا ما فعلته الصين منذ ايام .
الاستعراض العسكري الصيني هو نقطة تحول عالميه "Global Turning Point “ وما ردة الفعل الامريكية على هذا المشهد إلا تاكيداً على ذلك وما قاله الرئيس ترامب من ان هناك مؤامرة من الدول التي شهدت ذلك الاستعراض بالاشتراك مع الصين ضد الولايات المتحدة لهو تاكيد اكثر وضوحا على خطورة هذا الأمر ،
ان الشعب الاميركي سيكون الاكثر تضررا في هذا التحول الذي سيكون طارئا عليهم لأن ضرب الاقتصاد الامريكي سيكون اول ضحايا هذا التحول ومن المعلوم بالضرورة أن الشعب الأمريكي أولى أولوياته هو الاقتصاد وما وراءه فليكن الطوفان ، والتفصيل في هذا قد نجده عند اصحاب الاختصاص في الشأن الاقتصادي والمالي العالمي المحترمين
أمرٌ بالغ الخطورةِ حدَثَ في هذا الاستعراض ، فكأنه كان امام الدول الحاضرة له والمتمثل بحضور رؤساء تلك الدول والدول التي كانت تشاهده عن بُعد كان عليهم الاجابة على سؤال لا يحتمل سوى نعم او لا ، وجاء بهذه الصورة كما قُرئ المشهد بوضوح : نحنُ الصين ، وهذه قوتنا ، فاذا انضممت الينا حميناك والا فلتتحمل مسؤولية بقائك او انضمامك الى المعسكر الاخر،والشهود هم الزعماء الحلفاء الحاضرون،
هذا طرح صيني دبلوماسي عميق جداً وضَعَ دولاً كثيرة في وضعٍ أقلّ ما يقال فيه انه بحاجة الى قرار استراتيجي بعيداً عن الارتجال او التسرع والاندفاع الغير محسوب العواقب ،
وما شاهدناه من انسحاب الرئيس التركي ورئيس وزراء الهند بعد القمة الاقتصادية هناك وعدم حضورهما الاستعراض العسكري إلا خشية الوقوع تحت ضغط هذا الخيار الصيني الصعب الحاسم ، ويبقى السؤال مطروحاً والجواب معلقاً برسم الاجابة عليه ،
هذا الطرح الذي أتصوّره وربما يتفق معي كثيرٌ من الناس
جاء مدعوماً بقوةٍ لم يسبق أن عُرِضَت من قَبل في اي مناسبة كانت سواء عرض عسكري أو معارض عسكرية أو مناورات علنية أو سريَّه ، انها الأسلحة النووية كما شاهدها العالم في هذا الاستعراض العسكري الذي أهَّلَها للظهور بهذه الهيئة الغير معتادة والمعهودة عنها منذ أمدٍ بعيد .
إطلاق الالاف من طيور الحمام في ختام مهرجان الاستعراض له دلالة شديدة الوضوح وهي ان هذه القوة الضاربة براً وبحراً وجواً وهذه التكنولوجيا القادرة على الهيمنة على الفضاء وان هذا الانضباط البشريّ العسكريّ الذي أبهر كل من رآه إنما هو دفاعاً عن منجزاتها الاقتصادية والاجتماعية والتجارية والماليه ودفاعاً عن مكانتها ومركزها بصفتها
"ثاني" اكبر اقتصاد عالمي وبامتياز ،
لم يُكتَب في صفحات التاريخ الصيني الممتد منذ خمسة الاف عام انها كانت دولة استعمارية او لها اطماع في ذلك ، وتدرك ويدرك كل ذي عقل ان هذا المُنجَز لا بد له من حمايه وانها ترغب حقيقة بالسلام والاستقرار الدائم للحفاظ عليه ،
ربما ارتأت الصين أن خلاصة كلّ هذا المشهد مُجتَمِعاً كان الرمز الوحيد القادر على ترجمته مباشرةً ومِن عَين المكان
هو الحمام ، لأن الحمام وحده يعرف ويعلم أن فوق هذه المنظومة من القوة وفي ظلالها واحةَ أمنٍ وسلام وانه يستطيع الرفرفة والطيران فوقها بأمان واطمئنان .
وكأن الخلاصة والرسالة الموجهة الى العالَم اجمع تقول :
القوَّة وحدها تاتي بالسلامِ مُرغَماً عندما تحميه هكذا ،
وإن كان شيئاً غير ذلك فإن هذه الترسانة جاهزة وقد تمَّ تذخيرها لتقول إذا لَزِمَ الأمرُ كلمَتها .
يوسف رجا الرفاعي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
07-09-2025 12:11 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |