حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,5 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6068

د. فاطمة العقاربة تكتب: الاغتراب والحنين: الهوية الأردنية بين الغياب والعودة

د. فاطمة العقاربة تكتب: الاغتراب والحنين: الهوية الأردنية بين الغياب والعودة

د. فاطمة العقاربة تكتب: الاغتراب والحنين: الهوية الأردنية بين الغياب والعودة

04-09-2025 03:22 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتورة فاطمة العقاربة
يشكّل الاغتراب تجربة مركّبة للأردنيين في الخارج، تتجاوز فكرة الانتقال الجسدي من الوطن إلى بلد آخر، لتلامس أبعادًا أعمق تتعلق بالانقطاع عن المرجعيات اليومية: اللهجة التي تحمل نكهة الانتماء، الرموز الوطنية التي تذكّر بالتاريخ، والعادات الصغيرة التي تُشكّل جزءًا من المعيش اليومي. ومع مرور الوقت، يجد أبناء المغتربين – أبناء “الذاكرة السردية ” كما يُقال – أنفسهم أمام فجوة أوسع، فهم وُلدوا في الخارج، ونشؤوا في بيئات لا تُمارس فيها الهوية الأردنية بشكل مباشر، بل تصلهم هذه الهوية كذاكرة متوارثة من الأهل، لا كتجربة حياتية ملموسة.

في هذا السياق يظهر مفهوم غياب العودة الفكرية. فالمغترب قد يعود جسديًا إلى الأردن في زيارات سياحية أو عائلية، لكنه لا يجد إطارًا مؤسسيًا منظمًا يستثمر طاقاته الفكرية والعلمية في خدمة وطنه. هذا الغياب يحوّل الحنين إلى الوطن من حالة يمكن أن تبني جسورًا معرفية وإنتاجية بين الداخل والخارج، إلى مجرد شعور عاطفي فردي لا يتجاوز حدود الاشتياق.

مع ذلك، يبقى الحنين قوة دافعة كبرى. يمكن استثماره بطرق عملية تعزّز الهوية الوطنية التاريخية. فالمغترب يعبّر عن انتمائه من خلال الاشتباك باللهجة الأردنية على منصات التواصل الاجتماعي، إذ تتحول اللهجة إلى رمز حي يذكّره بجذوره. كما يظهر الحنين في إنتاج محتوى وطني يعكس صورة الأردن في الخارج، أو في إطلاق مبادرات شبابية تستثمر الاشتياق لخلق مشاريع توثيق وتسويق للهوية الأردنية. وهنا يتحول الحنين من مجرد شعور شخصي إلى رأسمال رمزي يخدم الهوية الوطنية ويعمّق الارتباط بالدولة.

لقد أصبحت السوشال ميديا الوطنية بمثابة وطن افتراضي للأردنيين في المهجر. فعندما يكتب المغترب باللهجة الأردنية، أو يشارك صور العلم، أو يتفاعل مع قضايا الوطن، فإنه يخلق عودة افتراضية تُخفف من حدة الاغتراب. هذا التفاعل يعكس حاجة المغتربين المستمرة للاشتباك مع وطنهم، باعتباره شكلاً من أشكال تجديد البيعة العاطفية والانتماء للأرض الأم.

من هنا تأتي التوصيات العملية: المطلوب هو تحويل الحنين من مجرد عاطفة خام إلى طاقة إنتاجية مستدامة. يمكن تحقيق ذلك عبر منصات رسمية وأهلية تستضيف المغتربين لتبادل الخبرات، وإطلاق حملات هوية رقمية باللهجة الأردنية موجهة للخارج، فضلًا عن تنظيم مبادرات “عودة فكرية” تتخذ شكل مؤتمرات أو منصات معرفية أو مشاريع مشتركة، بحيث تتحول عودة المغترب من زيارة موسمية إلى مشاركة في بناء المستقبل.

بهذا المعنى، فإن الاغتراب ليس نهاية الانتماء، بل فرصة لإعادة صياغته. والحنين، إذا ما استُثمر بذكاء، يمكن أن يتحوّل من شعور فردي إلى قوة جماعية تعيد تأكيد الهوية الوطنية التاريخية وتمنحها أفقًا عالميًا.







وسوم: #الأردن




طباعة
  • المشاهدات: 6068
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
04-09-2025 03:22 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
كيف تقيم التعديل الوزاري الأخير الذي اجرته الحكومة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم