حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,1 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3917

محمد علي الزعبي يكتب: تقرير الحكومة الأخير… بين رنين الأرقام وصمت الشارع

محمد علي الزعبي يكتب: تقرير الحكومة الأخير… بين رنين الأرقام وصمت الشارع

محمد علي الزعبي يكتب: تقرير الحكومة الأخير… بين رنين الأرقام وصمت الشارع

30-08-2025 01:21 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : محمد علي الزعبي
حين أصدرت الحكومة تقريرها الأخير عن الإنجاز، بدا واضحًا أنها تراهن على لغة الأرقام والانضباط في عرض البيانات كوسيلة لتعزيز ثقة المواطن وإثبات جدية المتابعة. فالمشاريع التي وُضعت تحت الأضواء، من إعادة تأهيل مطار ماركا إلى التصاميم الخاصة بالإسكان منخفض الكلفة، مرورًا بإجراءات تنفيذية مرتبطة برؤية التحديث الاقتصادي ونمو بعض الصناعات عالية القيمة، كلها تمنح انطباعًا بوجود حركة في جسد الدولة وتقدم في ملفات ظلت عالقة لسنوات. كما أن نشر تقارير نصف سنوية وأخرى شهرية موازية يمثل تطورًا لافتًا في الشفافية والمساءلة لم يكن مألوفًا في تجارب سابقة.

غير أن المتأمل في تفاصيل هذه الإنجازات لا يستطيع أن يغض الطرف عن السؤال الجوهري: أين هو الأثر المباشر على المواطن؟ فالمطار الذي يشار إليه كنموذج للإنجاز لا يزال في طور الإنشاء، ولم يلمس الناس بعد نتائج تشغيله أو انعكاسه على فرص العمل والنشاط الاقتصادي. أما نماذج الإسكان التي جرى الإعلان عنها فما زالت رسومات على الورق لم تتحول إلى بيوت قائمة تسلّم لعائلات أنهكها غلاء الإيجارات. وحتى مؤشرات الاستثمار التي تتحدث عن توسع في الصناعات وفرص نمو جديدة، فإنها لم تُترجم بعد إلى وظائف نوعية أو ارتفاع في الدخول، بل بقيت حبيسة جداول وتصريحات رسمية.

هنا تتضح المفارقة بين الإنجاز كإجراء والإنجاز كأثر. الإجراء يسجل في التقارير والملفات الرسمية، بينما الأثر يظهر في الجيب والبيت والخدمات اليومية. ما تحقّق حتى الآن لا يمكن إنكاره، لكنه يبقى منقوصًا إن لم يقترن بتحول فعلي يعيشه المواطن في حياته.

الحكومة أحسنت حين وضعت نفسها أمام مرآة التقارير، لكنها في المقابل جعلت نفسها عرضة لاختبار أكثر صعوبة. فالمواطن لا يكفيه أن يسمع عن مئات الإجراءات التي تم إنجازها أو قيد التنفيذ، بل يريد أن يعرف كيف انعكست على كلفة معيشته، على وقت انتظاره في المستشفى أو على قدرة أبنائه في إيجاد وظيفة. المردود الواقعي هو ما يمنح هذه الأرقام معناها، وبدونه تتحول إلى جداول صماء لا تسمن ولا تغني من جوع.

إن القراءة التحليلية للتقرير الأخير تكشف عن مسارين متوازيين: مسار شكلي متقدم من حيث التنظيم والتوثيق والعرض، ومسار جوهري لا يزال متعثرًا في إيصال الأثر المباشر للناس. وفي هذه المسافة بين الشكل والمضمون يتحدد مستقبل العلاقة بين الحكومة والمواطن. فإما أن تنجح الحكومة في تسريع التحويل من القرارات إلى نتائج ملموسة، وإما أن تبقى رهينة لغة التجميل التي سرعان ما يفقدها الشارع اهتمامه.

الخلاصة أن الحكومة قطعت خطوة إصلاحية في الشكل عبر تقاريرها، لكنها مطالبة اليوم بخطوة أشد جرأة في المضمون، خطوة تترجم ما كُتب إلى ما يُلمس، وما أُعلن إلى ما يُعاش. عندها فقط يمكن أن تتحول لغة الإنجاز من رنين الأرقام إلى صوت يملأ حياة الناس.











طباعة
  • المشاهدات: 3917
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
30-08-2025 01:21 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم