26-08-2025 09:38 AM
بقلم : زياد فرحان المجالي
منذ أقدم العصور، لم يكن الجوع مجرد نتيجة للحصار، بل سلاحًا مقصودًا لإذلال البشر قبل قتلهم. استخدمته الإمبراطوريات ضد المدن المحاصرة، واستعادته أوروبا في حروب القرن العشرين إلى جانب القنابل. لكنه لم يكن يومًا سلاح الشجعان، بل سلاح من عجزوا عن مواجهة الرجال في الميدان. سلاح الحقد… وسلاح الجبن.
واليوم يُعاد المشهد في غزة. أطفال يموتون لأن القمح حُجب، والماء مُنع، والدواء حُوصر. رغيف الخبز بات أخطر على إسرائيل من الصاروخ، وابتسامة طفل أشد تهديدًا من بندقية.
إعلان رسمي من الأمم المتحدة
في 23 أغسطس 2025، أعلنت هيئة الأمم المتحدة رسميًا دخول غزة في حالة مجاعة وفق المعايير الدولية للأمن الغذائي. التقرير الأممي حذّر من أن نصف مليون إنسان يعيشون ظروفًا كارثية، وأن آلاف الأطفال يواجهون خطر الموت جوعًا. ورغم وضوح الأرقام، يصرّ نتنياهو على وصف الإعلان بأنه "كذبة صريحة".
أستراليا تنتفض لفلسطين
بعد يوم واحد فقط من الإعلان الأممي، شهدت أستراليا في 24 أغسطس أكبر مظاهرات في تاريخها دعمًا لفلسطين. عشرات الآلاف خرجوا في سيدني وملبورن وبريسبان وكانبيرا، مطالبين بوقف تجارة السلاح الأسترالية مع إسرائيل.
أرقام تكشف الفجوة
في بريسبان، قدّر المنظمون الحشود بخمسين ألفًا، بينما قالت الشرطة إنهم عشرة آلاف فقط. وفي سيدني وملبورن، تحدثوا عن مئة ألف مشارك في كل مدينة، مقابل أرقام رسمية لم تتجاوز عشرة آلاف. تضارب الأرقام لم يُخفِ الحقيقة: أستراليا لم تعرف تضامنًا بهذا الحجم من قبل.
من النقابات إلى الشارع
أكثر من 250 منظمة ونقابة شاركت في الحراك، بينها نقابات نيو ساوث ويلز وغرب أستراليا. التضامن لم يعد شعارًا رمزيًا، بل فعلًا سياسيًا واجتماعيًا يضرب جذوره في عمق المجتمع. الهتافات ارتفعت بصوت واحد: “العقوبات على إسرائيل الآن” و*“أوقفوا تجارة السلاح”*.
شهادات إنسانية
قصص المتظاهرين منحت المظاهرات روحها. لاجئ إيراني رفع ابنته قائلاً: "الفرق بين أطفالي وأطفال غزة هو الجغرافيا… إنه الحظ". طبيبة أسترالية أعلنت أنها لم تعد تحتمل صور الأطفال الجائعين. وزبيدة، من أصول جنوب أفريقية، قالت: "نحن أبناء نظام فصل عنصري… وما نراه في غزة نسخة مكررة منه".
السياسة تلحق بالشارع
الحضور السياسي كان لافتًا. زعيمة حزب الخضر لاريسا ووترز وصفت مظاهرة بريسبان بأنها الأكبر منذ احتجاجات العراق 2003. السيناتور المستقل ديفيد بوكوك دعا الحكومة لموقف أكثر جرأة. في سيدني، تحدثت الكاتبة غريس تيم والصحفية أنطوانيت لطوف ورئيس اتحاد المعلمين هنري راجيندرا، مؤكدين أن الصمت أمام المجاعة خيانة للقيم الإنسانية.
دلالات عابرة للقارات
ما جرى في أستراليا لم يكن حدثًا محليًا. موجات التضامن تمتد من أوروبا إلى أميركا اللاتينية وجنوب إفريقيا، حيث تتكرر المظاهرات المؤيدة لفلسطين. غزة لم تعد قضية إقليمية، بل قضية إنسانية كبرى تختبر الضمير العالمي.
سلاح الجوع قد يقتل الجسد، لكنه لا يكسر الضمير. إسرائيل قد تراهن على الحصار، لكنها تخسر معركتها في وجدان الشعوب… حتى في أقاصي الأرض.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-08-2025 09:38 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |