17-08-2025 08:32 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
قرر رئيس الوزراء قبل أيام سحب عدد من مشاريع القوانين التي سبق وأن أُحيلت إلى مجلس النواب للسير في الإجراءات الدستورية لإقرارها، حيث اتسع نطاق هذه المشاريع التي تقرر استردادها لتشمل "ضريبة الأبنية والأراضي" و"الضمان الاجتماعي" و"الوساطة". وهنا يثور التساؤل الأبرز حول أحقية رئيس الوزراء في سحب هذه المشاريع التي تم إرسالها إلى المجلس النيابي وفق أحكام الدستور، وما إذا كان هذا الإجراء له ما يبرره من الناحية الدستورية.
لقد تضمن الدستور الأردني مجموعة من النصوص الناظمة للعملية التشريعية، والتي تبدأ من جانب الحكومة، بأن يقوم رئيس الوزراء بعرض مشروع أي قانون على مجلس النواب عملاً بأحكام المادة (91) من الدستور، والتي تخوّل المجلس الحق في قبول المشروع أو تعديله أو رفضه، وفي جميع الأحوال يُرفع مشروع القانون إلى مجلس الأعيان، ولا يصدر القانون إلا إذا أقره المجلسان وصدّق عليه الملك.
ورغم التفصيلات الدستورية الأخرى المتعلقة بآلية الموافقة على مشاريع القوانين وتصديق الملك عليها، والذي يُعد تصديقًا غير مطلق ومقيّدًا من حيث المدة الزمنية بستة أشهر من تاريخ رفعه إليه، مع ضرورة بيان أسباب رفض التصديق، إلا أن الدستور الأردني لم يتضمن حكمًا واضحًا وصريحًا يجيز للحكومة، ممثلة برئيسها، سحب مشاريع القوانين التي أُحيلت إلى مجلس النواب.
إلا أن صلاحية الحكومة في سحب مشاريع القوانين من مجلس النواب قد تقررت بقرار تفسيري صدر عن المجلس العالي لتفسير الدستور، الذي كان يمارس الدور التفسيري لأحكام الدستور قبل إنشاء المحكمة الدستورية وبدء ممارستها أعمالها عام 2012. فقد سبق للمجلس العالي أن أفتى في قراره التفسيري رقم (1) لسنة 2001 وبالإجماع، بأنه يحق لرئيس الوزراء استرداد مشروع أي قانون من مجلس النواب في أي وقت يشاء، حتى وإن تم التصويت على إحالته للجنة المختصة.
وقد استند المجلس العالي في قراره إلى أن العملية التشريعية قد أناطها المشرّع الدستوري بثلاثة أطراف: مجلس الوزراء، ومجلس الأمة، وجلالة الملك، وأن الممارسة الثابتة التي اتبعتها الحكومات السابقة بسحب مشاريع القوانين قد شكلت عُرفًا دستوريًا يصلح أساسًا لتفسير النصوص الغامضة في الدستور أو التي تحتمل التأويل.
وتبقى المناسبة التي صدر فيها هذا القرار التفسيري وتبعاته الدستورية محل اهتمام وتقدير، ففي وقت صدوره كان النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 1996 يتضمن حكمًا صريحًا في المادة (86/ب) ينص على أنه "يجوز لمجلس الوزراء استرداد مشروع القانون قبل التصويت على إحالته للجنة المختصة". إلا أن المجلس العالي قد تجاوز حدود صلاحياته التفسيرية إلى الرقابة على دستورية ذلك النص، واعتبره غير دستوري، وعدّه من قبيل الأحكام الموضوعية التي لا مجال لتضمينها في النظام الداخلي لمجلس النواب.
كما استند المجلس العالي في قراره إلى حكم المادة (83) من الدستور، التي تمنح مجلسي الأعيان والنواب الحق في وضع أنظمة داخلية لضبط وتنظيم إجراءاتهما، على أن تقتصر هذه الأنظمة على المسائل الإجرائية دون التوسع إلى الأحكام الموضوعية. وبناءً عليه، اعتبر المجلس أن المادة (86/ب) من النظام الداخلي لمجلس النواب آنذاك قد تضمنت حكمًا موضوعيًا بلا سند دستوري.
واستمر المجلس العالي لتفسير الدستور في دفاعه عن الشرعية الدستورية في قراره لعام 2001؛ فلم يكتف بالخروج عن أصول عمله التفسيري لصالح إعمال الرقابة على دستورية النظام الداخلي، بل أضاف حكمًا دستوريًا جديدًا مفاده أن صلاحية رئيس الوزراء في سحب مشاريع القوانين تمتد لتشمل استرداد أي مشروع سبق إحالته إلى مجلس النواب، سواء كان المجلس منعقدًا أو منحلاً.
فولاية الحكومة على مشاريع القوانين التي هي بحوزة مجلس النواب تثبت لرئيس الوزراء سواء أكان المجلس قائمًا ومنعقدًا في دوراته البرلمانية أو غير منعقد أو حتى منحلاً، إذ لا يشكل وجود المجلس النيابي من عدمه عائقًا أمام ممارسة هذا الحق طالما لم تزل مشاريع القوانين في مرحلة الإقرار والموافقة ولم يتم التصديق الملكي عليها.
إن هذا الحق الدستوري المقرر لرئيس الوزراء بإعادة النظر في مشاريع القوانين التي أُرسلت إلى مجلس النواب يتوافق مع مبدأ المسؤولية السياسية للحكومة، إذ لا يجوز إلزامها بالمضي في مشروع لم تُقِره، وأُقرّ في عهد حكومات سابقة، أو لم تعد تتبناه نتيجة تغيّر الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية المرتبطة بالتشريع. فالتوسع في صلاحية سحب مشاريع القوانين، في هذه الحالة، خير من شيوع ظاهرة تعديلها أو إلغائها لاحقًا.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-08-2025 08:32 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |