30-07-2025 04:26 PM
بقلم : أ.د غازي عبدالجيد الرقيبات
في مشهدٍ لا يتبدّل كثيرًا على مرّ الدورات، تقف موازنات البلديات الأردنية شاهدةً على خللٍ مالي مزمن، لا تلبث المجالس البلدية أن تورثه لمن يليها، كما يُورّث التعب لساكن الصحراء،أعوام مضت، تعاقبت فيها الإدارات البلدية وهي تجرّ أذيال العجز المالي، كأنما صار العجز قدرًا، والاستدانة عادة، والتبرير رداءً يغطي ما لا يستر، وإذا كانت لغة الأرقام لا تُجامل، فإن دفاتر الموازنات في أغلب البلديات تشير – بلا مواربة – إلى اختلالٍ في العلاقة بين الإيراد والإنفاق، حيث تغيب الاستدامة، ويُساق المواطن إلى التصديق بأن الأمل لا مكان له إلا في صفحات الخطط، لا على أرض الواقع، من هنا، كان لا بد من لحظة تأمل وعتاب، لا من باب اللوم المرسل، بل من منطلق المسؤولية الأخلاقية والتاريخية:
يا من توليتم مقاليد البلديات، وألقيتم بأنفُسكم – أو أُلقِي بكم – في ميدانٍ ما كان ليُستساغ إلا بصدق العزم ونقاء التدبير، أما آن لمعظمكم أن يستفيق من سبات التبرير؟ لقد كانت الموازنات في عهدكم أشبه بخزائن مثقوبة، تُلقى فيها الإيرادات كما تُلقى الأمنيات في بئرٍ لا قرار له، فتُبدَّد دون ضابطٍ أو رؤية، ويُقال عن كل عجزٍ إنه "ضرورة" أملتها الحاجات، وكأن التسيير لا يعرف الاتزان، وكأن التخطيط يُؤتى من خاصرته كل مرة دون عظةٍ من سابقتها، ألم يكن من الممكن – ولو احتمالًا – أن يُجترح من رحم الموارد الذاتية ما يُعين على الكفاف، أو ما يُضيء شمعةً في دياجير العجز؟ أم أنكم آثرتم التعويل الأبدي على دعمٍ مركزيٍّ يئن، لا يُسعف ولا يُغني؟ ألسنا اليوم نُسائل أنفسنا، لا أنتم: هل سيكون لنا أن نشهد زمناً تتكافأ فيه الإيرادات مع النفقات، دون أن نقترض من الغد لسد رمق الأمس؟ لا نُعاتبكم عتاب الحاقد، بل عتاب من أُثقل كاهله بأخطاء لا فضل له فيها، ويرجو – على ضوء رمادها – أن يُشعل جذوة إصلاح لا تُطفئها مجاملة ولا يُربكها إرثٌ مُثقل بالعُجز.
وإذا كان نقد الماضي ضرورة، فإن الأمل بالمستقبل ليس ترفًا. فالرهان اليوم ليس فقط على وعي المجالس البلدية القادمة، بل على ولادة قانون انتخاب بلدي عصري، يعيد تشكيل معادلة التمثيل البلدي على أسس الكفاءة والنزاهة والمصلحة العامة، بعيدًا عن الهيمنة الفئوية أو المناطقية التي كثيرًا ما أعاقت النهوض الحقيقي، قانونٌ يُمكّن البلديات من استقطاب أصحاب الرؤية والخبرة، لا أولئك الذين يمتهنون الخطابة ويُحسنون التصفيق في المجالس العامة.
ولا يمكن الحديث عن مستقبل بلدي واعد دون التوقف عند أبرز التوصيات التي قد تُمهد لإصلاح مالي وإداري جدّي:"إعادة هيكلة الإيرادات الذاتية عبر تنويع مصادر الدخل ورفع كفاءة التحصيل مع ضمان العدالة الاجتماعية، تحويل البلديات إلى كيانات اقتصادية منتجة، عبر مشاريع تنموية مدرّة للدخل لا تُثقِل كاهل المواطن، إلزامية الشفافية والمحاسبة في إدارة الموازنات، ونشر تقارير دورية مفصلة بلغة يفهمها المواطن، استقلالية القرار المالي والإداري للبلديات، وتحريرها من الوصاية المركزية المفرطة التي تعيق المبادرة، تبني مؤشرات أداء معيارية معلنة تُستخدم في تقييم أداء المجالس، وتحديد بقاء القيادات أو مغادرتها.
وفي انتظار الدورة البلدية القادمة، تظل العيون شاخصة نحو ما هو أكثر من مجرد انتخابات، ننتظر قانونًا عصريًا، وإرادة حكومية جادة، ومجالس تملك من الجرأة ما يكفي للقول: "نحن قادرون على تغطية نفقاتنا من مواردنا، لا من جيوب الأجيال القادمة."
أ.د غاي عبدالمجيد الرقيبات
كلية الاعمال/ جامعة ال البيت
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-07-2025 04:26 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |