29-07-2025 02:53 PM
بقلم : م. أحمد يوسف الشديفات
في السنوات الأخيرة، أصبحت الحوسبة السحابية أحد أكثر المواضيع تداولًا في عالم التقنية، خصوصًا مع تسارع التحول الرقمي في المؤسسات الحكومية والخاصة، واعتماد الأفراد المتزايد على التطبيقات والخدمات المتصلة بالإنترنت. لكن يبقى السؤال مطروحًا: هل الحوسبة السحابية تمثل تطورًا طبيعيًا في مسار التكنولوجيا، أم أنها مجازفة بمعلوماتنا وخصوصيتنا؟
بداية تعريف الحوسبة السحابية متشعب ولكن يمكن اختصاره بأنه استخدام موارد الحوسبة (مثل التخزين والمعالجة وقواعد البيانات) عبر الإنترنت بدلاً من الاعتماد على أجهزة محلية. ويتم تقديم هذه الخدمات من خلال مزودين عالميين مثل: Amazon Web Services، Microsoft Azure، وGoogle Cloud وغيرهم.
فكرة الحوسبة السحابية بدأت كحل مثالي لمشاكل المرونة والكفاءة حيث أنها تمكن المؤسسات من التوسع أو التقليص حسب الحاجة، وبالتالي خفض التكاليف الرأسمالية ورفع كفاءة الأنظمة، فلم تعد المؤسسات والشركات بحاجة إلى استثمار مبالغ طائلة في شراء الخوادم والبنية التحتية الرقمية. إضافة لذلك فإن الحوسبة السحابية تعد ضمان لاستمرارية الأعمال وتقليل مخاطر فقدان البيانات خصوصاً في حالات الكوارث.
لكن، أين تكمن المخاطرة؟ رغم انتشار الحوسبة السحابية بشكل واسع وإقبال المستخدمين عليها من جهة وتطوير المزودين لمنتجاتهم السحابية من جهة أخرى، فإن كثيراً من المؤسسات تتردد في نقل بياناتها إلى السحابة بسبب عدم وضوح من يملك البيانات فعليًا، خاصة إذا كانت تُخزن خارج الدولة، وهذا تخوف مشروع، خصوصاً إذا ما لاحظنا أنه وبحسب تقرير صادر عن مؤسسة “Check Point”، زادت الهجمات الموجهة إلى بيئات الحوسبة السحابية بنسبة 48% عالميًا خلال 2023، مما يعكس التحديات الأمنية المتنامية.
إضافةً إلى ذلك، تُعد حرية اختيار مزوّد الخدمة من أبرز التحديات المرتبطة بعملية التحوّل إلى الحوسبة السحابية، إذ قد يُشكّل الانتقال من مزوّد سحابي إلى آخر عملية معقّدة ومرتفعة التكلفة، مما قد يقيّد مرونة المؤسسات في اتخاذ قرارات استراتيجية مستقبلًا.
أما من الناحية القانونية والتشريعية، فإن الإطار التشريعي القائم قد يشكّل تحديًا أمام سلاسة التحول إلى الحوسبة السحابية. فقد تبنّت بعض الدول، ومن بينها الأردن ، تشريعات صارمة تنظّم أساليب تخزين البيانات الحساسة، وهو ما قد يتنافى مع بعض نماذج الحوسبة السحابية التي تعتمد على توزيع البيانات عبر حدود سيادية متعددة.
نتيجةً لذلك، يُمكن وصف تبنّي التحول الرقمي السحابي على المستوى المحلي بأنه ما زال محدودًا نسبياً. إذ تشير دراسات صادرة عن وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة إلى أن أكثر من 65% من المؤسسات الحكومية الأردنية قد أعربت عن اهتمامها بالتحول نحو الخدمات السحابية، إلا أن نسبة الاعتماد الفعلي لتلك الخدمات لم تتجاوز 30% حتى عام 2024. ويُعزى هذا التباطؤ بشكل رئيس إلى مخاوف مرتبطة بالأمن السيبراني ومتطلبات الامتثال التنظيمي.
وفي هذا السياق، يُعتبر مركز العقبة الرقمي (Aqaba Digital Hub) نموذجًا محليًا واعدًا يعكس التوجه الاستراتيجي نحو تعزيز البنية التحتية الرقمية والسيادة على البيانات. فقد أتى هذا المشروع كمبادرة نوعية لدعم التحول الرقمي في الأردن والمنطقة، من خلال توفير مركز بيانات متقدم يتمتع بمعايير أمان عالية واتصال دولي مباشر. ويُعد المركز خطوة جوهرية نحو تمكين الحوسبة السحابية محليًا، حيث يوفّر بيئة آمنة ومتطورة لتخزين البيانات وتشغيل الخدمات الرقمية دون الحاجة للاعتماد على مراكز بيانات خارجية.
ومع وجود هذا النوع من البنية التحتية، تتقلص فجوة التردد لدى المؤسسات المحلية، سواء الحكومية أو الخاصة، في تبنّي الحوسبة السحابية. كما يسهم مركز العقبة الرقمي في تعزيز الثقة بالحلول السحابية الوطنية، ويشكّل بديلًا فعّالًا لمواجهة التحديات المتعلقة بسيادة البيانات والامتثال التشريعي، مما يجعله ركيزة أساسية في بناء اقتصاد رقمي مستدام
وعلى الرغم من التحديات والمخاوف المرتبطة بتبني الحوسبة السحابية، إلا أنّها تُعد تحولاً تقنيًا استراتيجيًا لا مناص منه في ظل التطور المتسارع في البنية التحتية الرقمية. فقد شرعت كبرى الشركات التكنولوجية العالمية في تنفيذ خطط شاملة للتحول نحو بيئات الحوسبة السحابية، متخلّية تدريجيًا عن الحلول المحلية التقليدية (On-Premise). كما بدأت بتوسيع نطاق خدماتها السحابية لتشكل عامل جذب وضغط في آن واحد، يدفع المستخدمين نحو اعتماد هذا النموذج الجديد. وتمثّل الحوسبة السحابية، دون شك، الاتجاه المستقبلي للابتكار التقني، غير أنّ نجاح تطبيقها يتطلب استراتيجيات واضحة، وأطرًا تنظيمية صارمة، إضافةً إلى تعزيز الثقة المتبادلة بين مزوّدي الخدمة والمستخدمين.
فالسؤال ليس “هل نستخدم السحابة؟” بل “كيف نستخدمها بأمان وكفاءة؟”
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
29-07-2025 02:53 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |