حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,30 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 8067

د.عاصم منصور يكتب: "سوبرمان": بين الخيال الدرامي والتقية الفنية

د.عاصم منصور يكتب: "سوبرمان": بين الخيال الدرامي والتقية الفنية

د.عاصم منصور يكتب: "سوبرمان": بين الخيال الدرامي والتقية الفنية

29-07-2025 10:22 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د.عاصم منصور
لستُ من هُواة أفلام الخيال والقوة الخارقة خاصة وأن الوحل الذي نعيش فيه اليوم قد فاق كل خيال؛ لكن ما دفعني إلى مشاهدة فيلم “سوبرمان” هو الجدل الحاصل في الولايات المتحدة حول ما إذا كان هذا الفيلم يُوجِّه نقدًا ولو مُواربًا للسياسة الأميركية تجاه الحرب على غزّة. فمع خُروج المشاهدين من صالات العرض انقسموا بين من رأى فيه عملا ترفيهيا صرفا ومن التقط إشاراتٍ سياسيةٍ واضحةٍ؛ أما أنا فقد بدا لي أنّ الفيلمَ يتجاوزُ إطار أسطورةَ الإنسان الخارق لِيغوص في أسئلةِ السّلطة، والعدالة، وحدود القُوّة في عالمٍ يزداد ظُلمًا ووحشية.


يُعيد الفيلم تقديم “سوبرمان” في هيئة شابٍ يُكافح للتّوفيق بين إرثِه “الكريبتوني” والتزامه الأخلاقي تجاه الأرض؛ غير أنّ أبرز ما يُميّزه هو تحوُّل مسرح الأحداث من مواجهةٍ كونية مجرّدة إلى صراعٍ ذي طابعٍ جيوسياسي صريح. يتجلّى ذلك منذ المشهد الافتتاحي حيث تتقاطع صور الدّمار في مدينةٍ خياليةٍ مع نشراتٍ إخبارية عن حربٍ حقيقيّة تدور في مدينة مُتخيّلة. ومع تقدّم السّرد؛ يُرغَم البطل على اتخاذ موقفٍ حاسمٍ: هل يواصل اللّعب وِفق قواعد القُوى العُظمى أم يكسرها دِفاعًا عن مبدأِ العدالةِ؟

ما يُلفت الانتباه في الفيلم هو الطريقة التي تمّ بها توزيع الأدوار؛ إذ نجد أنّه قد تمّ تجسيد سُكان مدينة “جارهانبور” التي تتعرض للعُدوان العسكري الواسع من خلالِ مُمثّلون من أصولٍ شرقَ أوسطيّةٍ وأخرى غير بيضاء، بينما يُؤدي أدوار “البورافيين” المُعتدين مُمثلون من العرقِ الأبيض، وهذا الاختيار ليس بريئًا؛ بل يُرسّخ الصورة النّمطية عن الضحية والمُعتدي، ويُعيد إنتاجَ ثُنائية المركز والهامش في المخيّلةِ الغربية، وقد بدا ذلك جليًّا في مشاهد القصف والاجتياح، حيث تتماهى ملامح الضّحايا مع صور الضّحايا في غزة.
كما كان لافتاً إبراز الفيلم لدفاع أحد المسؤولين عن دعم الولايات المتحدة العسكري للدولة المعتدية، بحجة أنها “دولة ديمقراطية تمثل قيمنا”، وهنا يتقاطع الفيلم مع الواقع، ويسلط الضوء على الذرائع الواهية التي يسوقها الغرب في حروبه سواء في العراق أو فلسطين أو غيرها.
مُنذ العرض الأول، شبه بعض النُّقاد الفيلم بـ”مِسودة بيان سياسي”؛ بينما اتّهمه آخرون بـ”تسييس الأيقونة الشعبية خدمةً لأجندةٍ يساريّة”. أمّا المواقع المحسوبة على اليمين فقلّلت من شأنِ هذه القراءة؛ مُركِّزةً على “مبالغات المؤثرات البصريّة”.
لم يتوقف الجدل عند حدود النّقد السينمائي أو الأكاديمي؛ بلْ امتد إلى رُدودِ فعلٍ سياسية مُباشرة؛ فقد نشرت القُنصلية الإسرائيلية في لوس أنجلوس منشورين على فيسبوك تحت عنوانِ “الأبطال الحقيقيون”، مع صُور لجنودٍ إسرائيليين، في محاولة واضحة لربطِ صورةَ البطولة بالقوةِ العسكرية الإسرائيلية، وكأنها ترُدّ على أي إسقاط مُحتمل للفيلم على الواقع الفلسطيني؛ ما يكشف عن قلقِ الاحتلال من أي عمل فني قد يُزعزع الرّواية السائدة.
من الصّعب الجزم بنيّة صُنّاع الفيلم، فالمُجاهرة بإدانةِ العُنف ضد الفلسطينيين باتت في السياقِ الأميركي فِعلًا تحسَبه الاستوديوهات مُخاطرة تسويقية، وعليه يغدو ترميزُ غزّة عبر مدينةٍ خياليةٍ مُحاولةً للالتفاف على رقابةٍ غير رسميّة، تُمارسها مجموعات الضغط والإعلان “تُقية فنية”، مع الحفاظ على شُحنةٍ أخلاقيةٍ يَصعُب إنكارها.
لهذا يُمكن اعتبار الفيلم خطوةً في مسارٍ طويلٍ يستعيد فيه الفن رسالته بوصفهِ ساحةً لتفكيكِ السّرديات الرسمية.
قد يختلف المُشاهدون حول ما إذا كان “سوبرمان” يقدّم تحريضًا فنّيًا ضد سياساتٍ بعينها أم يكتفي بمجازٍ إنسانيٍ عام؛ لكنّ المُؤكَّد أنّه يُذكّرنا بدورِ السينما في زعزعةِ السّائد وطرح الأسئلة الحرجة، فإذا كان البطلُ الخارقُ قد تعلّم أنّ الصّمت شَراكةٌ في الجريمة؛ فماذا عنّا نحن المُشاهدين؟ هل نكتفي بالتّصفيق في نهايةِ العرضِ؟











طباعة
  • المشاهدات: 8067
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
29-07-2025 10:22 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم