26-07-2025 12:48 PM
بقلم : زياد فرحان المجالي
أكثر من ٦٥٠ يومًا، ما يقرب من سنتين، ولا تزال غزة تقف على حافة الموت وتقاوم، فيما تتجاوز آلة الحرب الإسرائيلية كل الخطوط الحمراء، وتواصل دكّ المدينة التي لم تعد ترى في ليلها إلا الشظايا، ولا في نهارها إلا مشيعي الشهداء.
العرب صامتون، العالم أعمى، والمأساة خرجت من إطارها الإنساني إلى جريمة كونية. أما "إسرائيل" فهي تسعى لاسترداد كرامة جيشها الذي تآكل في أنفاق غزة وتهاوى في أزقة رفح، معتقدة أنها قادرة على طي صفحة المقاومة بالحديد والنار. لكنها تغفل أن من يقاتل اليوم لا يريد نصرًا دنيويًا، بل شهادةً لا يفهمها من لا يؤمن بحكم الله ولا يعرف طريق الجنة.
هذه حرب لم تعد تُقاس بالخسائر، بل بمدى الانحدار الأخلاقي لمن يبررون الجوع، والقتل، والحصار.
والمشهد في غزة ليس سوى مرآة لما تبقّى من إنسانية هذا العالم:
حوامل بلا غذاء. أطفال بلا دواء. شيوخ بلا مأوى. وشعبٌ يواجه الإبادة بالصبر والإيمان.
الكرامة المنهكة: جيش يطارد شبح الانتصار
بعد ما يقرب من عامين من العمليات البرية والضربات الجوية، يقف الجيش الإسرائيلي في واحدة من أعقد لحظاته النفسية والعسكرية. لا نصر حاسم، ولا انسحاب مشرّف، ولا أهداف استراتيجية تحققت. ما جرى في رفح مؤخراً يعيد ذات المشهد الذي تكرر في الشجاعية وخان يونس وبيت حانون:
دخول دموي… ثم انسحاب مرتبك… ثم إعادة تموضع بلا هدف.
حتى داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، تتعالى التحذيرات من إرهاق القوات البرية وتآكل معنويات الجنود. فـ"كرامة الجيش" باتت شعارًا بلا مضمون، يُستخدم فقط لتبرير المذابح.
تصريحات مفتعلة و"ضغط الإقناع العسكري"
ما قاله نتنياهو وترامب مؤخرًا ليس سوى جزء من لعبة الضغط. التصريحات التي أدليا بها كانت مفتعلة ومقصودة، رغم أن حماس كانت مرنة للغاية خلال المفاوضات، بشهادة الوسطاء من قطر ومصر.
لقد أثارت هذه التصريحات استهجانًا واضحًا من الأطراف الإقليمية الراعية للوساطة، ما يؤكد أن الهدف منها ليس وقف الحرب، بل انتزاع مزيد من التنازلات — خاصة في ملف الأسرى.
يبدو أن الطرفين (ترامب ونتنياهو) يسعيان لتحرير جميع الأسرى الإسرائيليين خلال الستين يومًا، أو بعدها مباشرة، عبر ما يسمّى بـ"الإقناع العسكري"، أي مزيد من الضغط والدمار والتصعيد الميداني.
هذه المرحلة من الحرب باتت تحدد بوضوح مستقبل الطرفين:
مكانة "إسرائيل" كقوة ردع،
ومقدرة ترامب على نصرة حلفائه، وفرض أجندته حتى لو على حساب القانون الدولي.
ولهذا، فإن كلاهما مستمر في طريق الحرب حتى النهاية، في ظل قناعة راسخة لديهما:
لا خلاص من حماس… إلا بإبادتها.
عرب بلا صوت… وعالم بلا ضمير
أين العرب؟ أين المسلمون؟
سؤال يطرحه كل طفل يصرخ في مخيم دير البلح، وكل أم تواري أبناءها في تراب غزة.
الأنظمة صامتة، والقادة مشغولون بـ"التهدئة السياسية"، أما الشعوب فتُقمع حين تهتف لفلسطين.
أما المجتمع الدولي، فـ"الخطوط الحمراء" التي طالما تشدّق بها الغرب لم تكن سوى حبر على بيانات تنديد باهتة. إسرائيل خرقت كل الأعراف، ولم يتزحزح لها حليف.
الشهادة وسلاح المقاومة… والحرب التي لا تنتهي
ما يريده نتنياهو واضح بلا لبس: الحرب ثم الحرب ثم الحرب.
إنها استراتيجيته الوحيدة لاستعادة "كرامة الجيش" التي يعتقد أنها تنهارت، ولم يُحقق معها أي نصر حاسم خلال سنوات القتال المستمرة. حربٌ بلا نهاية، هدفها إضعاف المقاومة والقضاء عليها نهائيًا، لكنها في واقعها تفتح أبوابًا من الألم والمعاناة التي لا تعرف سقفًا.
في المقابل، مقاومة حماس ليست لعبةً عسكرية أو تنافسًا إقليميًا، بل فلسفة حياة ومصير.
عندهم، لا خيار سوى الشهادة أو الشهادة، حيث لا معنى للهزيمة الدنيوية أمام نصر أخروي مقدس، يكتبه الله لعباده الصادقين.
هذه هي السيادة الحقيقية التي تحارب من أجلها غزة:
سيادة ليست بمصادقة ولا برضى عابر من قوى الأرض، بل سيادة بالإيمان، وبإرادة لا تلين أمام القصف، ولا تستكين أمام الحصار.
والسؤال الذي يبقى قائماً:
هل يعي الخصوم أن المواجهة هذه بين إرادتين لا تلتقيان إلا عند الله؟
وأن لكل مسلم قوي عند الله سلاحًا لا يُقهر، وهو اليقين بالحق الذي لا يموت؟
هذه الحرب إذاً ليست فقط صراعاً عسكرياً، بل اختباراً للإيمان، والكرامة، والعدل السماوي، حيث يلتقي الخصوم على بساط القضاء الإلهي، لا على ساحات الأرض العابرة.
التاريخ لا يرحم
كل ما يحدث اليوم ليس فقط مجزرة… بل إهانة كبرى للضمير الإنساني.
ومن يبرر لإسرائيل ما تفعله، أو يصمت على جرائمها، سيقف أمام محكمة التاريخ لا محالة.
أما القادة العرب الذين اكتفوا بالتنديد، فليعلموا أن نهاية هذه الحرب لن ترحمهم،
وأن الشعوب تحفظ، وتُحاسب، وتكتب.
وغزة؟
ستبقى.
ستموت أحيانًا… لكنها لن تُهزم.
فمن يؤمن أن طريقه إلى الجنة يبدأ من بوابة النار،
لا تُرعبه قنابل الفسفور…
ولا تهديدات العدو…
ولا خذلان القريب.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-07-2025 12:48 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |