حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,2 أغسطس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 9424

زياد فرحان المجالي يكتب: الدواء في الأردن بين مطرقة الأسعار وسندان الاحتكار: من يدفع الثمن؟

زياد فرحان المجالي يكتب: الدواء في الأردن بين مطرقة الأسعار وسندان الاحتكار: من يدفع الثمن؟

زياد فرحان المجالي يكتب: الدواء في الأردن بين مطرقة الأسعار وسندان الاحتكار: من يدفع الثمن؟

24-07-2025 08:44 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : زياد فرحان المجالي
في كل مرة يدخل فيها المواطن الأردني إلى الصيدلية، لا يخرج فقط بكيس دواء، بل بفاتورة مثقلة تفوق قدرته، وأحيانًا تتجاوز المنطق نفسه. دواء بـ ٢٠ دينارًا في الأردن، لا يتجاوز ثمنه دينارين في دولة مجاورة. دواء يُباع في بيروت أو القاهرة بدولار ونصف، يُعرض على رفوفنا بأضعاف ذلك، باسم "التسجيل المحلي" تارة، و"الحفاظ على الجودة" تارة أخرى.

هذه المفارقة ليست خيالًا، بل واقع يعيشه الأردني يوميًا. واقعٌ تحوّل فيه الدواء من حق إنساني إلى سلعة باهظة، يلهث وراءها المريض، بينما ترتفع أرباح بعض الشركات، وتبقى وزارة الصحة في موقع المتفرّج أو المبرّر.

قبل أيام قليلة، أطلق الكاتب هاشم الخالدي صرخة مدوية، تساءل فيها بجرأة: لماذا لا يُسعَّر الدواء كما في الدول المجاورة؟ لماذا تُجبر الحكومة المواطن على دفع أربعة أضعاف ثمن الدواء العالمي بحجة "تشجيع الصناعة الوطنية"؟ وهل أصبح الجشع مغلفًا بشعارات الاقتصاد؟

في الواقع، الحديث عن أسعار الأدوية في الأردن يقودنا إلى شبكة معقدة من التشريعات، والمصالح، والتحالفات. قانون الدواء يفرض على الشركات تسجيل كل دواء جديد في الأردن، مع دراسة سعره بناءً على سبع دول مرجعية. لكن المفارقة أن هذه الدول غالبًا ما تكون أغلى من الأردن، ولا تشمل دولًا مثل مصر أو تركيا، حيث يُباع الدواء ذاته بعُشر ثمنه.

أحد الصيادلة يقول: "نستلم دواء ضغط الدم من الشركة بسعر الجملة ١٣ دينارًا، ونبيعه بـ١٧. لكن المريض يخبرنا أنه اشترى العبوة نفسها من إسطنبول بـ٣ ليرات فقط. من المسؤول؟"

الإجابة ليست سهلة، لكنها تبدأ من غياب الرقابة الجدية، وتمر عبر تعقيدات السياسة الدوائية، وتنتهي بسطوة مصانع الأدوية التي تتحكم بالأسعار والبدائل. المواطن في النهاية، هو من يُدفع للفروقات، ويضطر أحيانًا لتأجيل علاجه أو الاستغناء عنه.

ما يفاقم الأزمة أن الفئات الفقيرة، والطبقة المتوسطة التي تتآكل يومًا بعد يوم، لم تعد تملك رفاهية شراء الدواء، خصوصًا في ظل الغلاء العام وتراجع الخدمات التأمينية. والتأمين الصحي العام، حين يغطي، لا يغطي كل الأدوية، ولا كل الحالات.

ولأن الصحة ليست مجرد رفاهية، بل حق أصيل، فإن صرخات المواطن الغاضب تلتقي مع ما ورد في الحديث النبوي الشريف: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا." فما بالك إن لم يكن معافى؟ أو لم يقدر على دواء؟

وفي الكتاب المقدس أيضًا، نجد في سفر يشوع بن سيراخ: "الطبيب يرفع الله شأنه... والدواء من عند الرب"، ما يعني أن الدواء نعمة لا يجوز احتكارها ولا المتاجرة بها على حساب الناس.

الخلاصة أن أزمة الدواء في الأردن ليست فقط أزمة أسعار، بل أزمة ضمير، وقصور في السياسات، وغضّ للطرف عن تغول بعض المصالح. ولا يمكن حلّها بتصريحات حكومية مطمئنة، بل بإرادة حقيقية لإعادة ترتيب الأولويات، ووضع المواطن لا الربح، في قلب القرار.

نحن أمام امتحان أخلاقي قبل أن يكون اقتصاديًا. والدواء ليس سلعة رفاهية، بل حياة معلقة في كبسولة، وكرامة محفوظة في عبوة. فهل من مجيب؟











طباعة
  • المشاهدات: 9424
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
24-07-2025 08:44 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الأشغال العامة والإسكان بقيادة ماهر أبو السمن؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم