20-07-2025 08:55 AM
بقلم : د. أحمد بطّاح
لا شك أن هاجس تقسيم سوريا كان هاجساً حقيقياً نتيجة الانقسامات الكبيرة داخل المجتمع السوري، وتدخلات القوى الكبرى (الولايات المتحدة، روسيا) والقوى الإقليمية (إيران، تركيا) فيها، إلّا أن الوضع بدأ يتغير منذ انتصار الثورة السورية ونجاح الإدارة الجديدة في بدء نهضة حقيقية في سوريا تقوم على وحدة سوريا أرضاً وشعباً مع تقبل إقليمي (باستثناء إيران طبعاً) ودولي (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي) واضحين.
والواقع أن "الإدارة الذاتية" الكردية هي الوحيدة القادرة فعلاً من بين كل القوى التي كانت تحلم بتقسيم سوريا (رغم أنها لم تعلن ذلك رسمياً) وذلك انطلاقاً من أن الكرد هم أكبر أقلية عرقية في البلاد (10% تقريبا من السكان، أي مليون ونصف إلى مليونين ونصف من سكان سوريا البالغ عددهم 25 مليوناً)، وقد استطاعوا السيطرة في ذروة تمددهم على ما يعادل 25% من الأراضي السورية (شمال شرق سوريا وتشمل محافظة الحسكة، شمال شرق محافظة حلب. "عين العرب"، وشمال غرب محافظة حلب "عفرين") بعد أحداث الثورة السورية في عام 2011، وغني عن القول أنهم كانوا مُحايدين في بداية الثورة، إلّا أنهم وقفوا ضدها بعد ذلك، وقد شجعهم النظام السابق حين انسحب من بعض المناطق لصالحهم وسمح بتجنيس 300,000 كردي، كما شجعهم في الواقع خصوبة الأراضي التي يسيطرون عليها (غنية بالحبوب والقطن)، ووقوع معظم حقول البترول المهمة فيها (حقول السويدية، رميلان، والعُمر)، لكن العامل الأهم الذي دعمهم هو وقوف الولايات المتحدة إلى جانبهم بحجة مساعدتهم في الحرب على تنظيم الدولة.
ولكن السياسة "حبلى" بالمتغيرات دائماً، وقد جاءت جميع المتغيرات الأخيرة في المنطقة لغير صالح "الإدارة الذاتية" الكردية وذراعها العسكري (قوات سوريا الديمقراطية "قسد").
ولعلّ أهم هذه المتغيرات:
أولاً: موقف الولايات المتحدة الواضح والقائل بوحدة سوريا وبأن الولايات المتحدة "ليس في وارد أن تكافئ قوات سوريا الديمقراطية لوقوفها إلى جانبها في حربها على تنظيم الدولة من خلال السماح لها بإنشاء كيان خاص بها"، والأخطر من ذلك أن ممثل الولايات المتحدة في المنطقة "توم باراك" اعترف بأن قوات سوريا الديمقراطية هي فرع من حزب العمال الكردستاني PKK التركي والمُصنّف إرهابياً من قبل الولايات المتحدة، كما أشار إلى أن "قسد" ليس أمامها إلا الانضمام إلى الجيش السوري. (كأفراد، وليس ككتلة عسكرية) موضحا أن الإدارة السورية عرضت على "قسد" عروضاً منطقية عدة لحل هذه الإشكالية، في ضوء الاتفاق بين الرئيس السوري الانتقالي "أحمد الشرع"، وقائد قوات سوريا الديمقراطية "مظلوم عبدي".
ثانياً: إعلان حزب العمال الكردستاني PKK حل نفسه وإلقاء السلاح، الأمر الذي يجعل قوات "قسد" بدون ظهير بل يضعها ليس فقط في مواجهة القوات السورية بل في مواجهة تركيا وبخاصة أن الولايات المتحدة بدأت في تقليص قواتها (ما يقارب 2000 جندي) وإغلاق بعض قواعدها العسكرية (مثل قاعدة التنف) في ظل تفاهم واضح مع الإدارة السورية الجديدة، وتكليفها بالتعامل مع بقايا تنظيم الدولة ومساجينه في مخيم "الهول" وغيره.
ثالثاً: الموقف الحاسم للإدارة السورية الجديدة في التأكيد على وحدة الأراضي السورية ووحدة الشعب السوري، وعدم القبول بأية صيغ "كالفيدرالية" و "اللامركزية" (التي تطالب بها الإدارة الذاتية الكردية)، ومن الواضح أن الإدارة السورية الجديدة تعبّر عن توجهات معظم شرائح الشعب السوري (أكثر من 90%) المطالبة بالحفاظ على وحدة البلاد.
رابعاً: موقف إقليم كردستان العراق المؤيد لتفاهم الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية الجديدة، والتركيز على حقوق الأكراد الدستورية ضمن مجتمعهم. ومن الجدير بالذكر أن أكراد سوريا ليس في وسعهم أن يكرروا تجربة "إقليم كردستان" في العراق لأنهم ليسوا أغلبية في مناطقهم كما هو الحال بالنسبة للأكراد في شمال العراق، ومن الجدير بالذكر أيضاً إن "إقليم كردستان" العراق كان يقف ضد حزب العمال الكردستاني، وكان من القوى الضاغطة باتجاه حل الحزب لنفسه وإلقاء سلاحه، ولنتذكر أن جزءاً من هذه العملية الرمزية (أيّ القاء السلاح) تم في مدينة السليمانية (ثاني أكبر مدينة في إقليم كردستان/ العراق).
إنّ الإدارة الذاتية الكردية تواجه مأزقاً حقيقياً الآن فمجتمعها السوري الواسع "رافض" لأيّ بُعد تقسيمي (بما في ذلك اللامركزية) ودول الجوار المهتمة المعنية (وبالذات العراق) رافض، والقوى الدولية (وأهمها الولايات المتحدة بالطبع) رافضة بل تطالب قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بسرعة الالتحاق بقوات وزارة الدفاع السورية الجديدة.
أخيراً، إنّ السياسة هي "فن الممكن" والممكن الوحيدة الآن أمام الإدارة الذاتية الكردية إذا أحسنت قراءَة البيئة السياسية التي تعمل في إطارها أن تطبق تفاهماتها (تفاهم الرئيس أحمد الشرع والقائد مظلوم عبدي)، وأنّ تُركّز على المشاركة في وضع الدستور الجديد لسوريا والذي يُفترض أن يحفظ حقوق جميع السوريين (بغض النظر عن عرقهم ودينهم ولونهم ومذهبهم...) وهذا ما يأمله الجميع في الواقع، فقد كفى ما حصل للشعب السوري الذي ذاق الأمرين، وكفى ما حدث للإقليم من حروب ومواجهات، وكفى ما حصل للعالم بسبب هجرة السوريين وتوزعهم على أقطار العالم ومجتمعاتها.
الراي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
20-07-2025 08:55 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |