20-07-2025 08:55 AM
بقلم : أ. د. صلاح العبادي
أحداث السويداء تسلط الضوء على الأدوار الإقليميّة في سوريا، وأصابع الاتهام توجّه إلى إسرائيل للتسبب بالفوضى في البلاد. في المقابل إسرائيل بعدما أن أعلنت عن رفضها لأي وجودٍ لأي قواتٍ سوريّة في السويداء، عادت وكشفت عن سماحها بدخول القوات السوريّة للسويداء لمدّة ثمانٍ وأربعين ساعة.
أي دورٍ لإسرائيل لما يجري في البلاد؟ وما هو موقف دمشقٍ من ذلك؟!
من الواضح بأنّ إسرائيل تفرض معادلة أمنيّة على سوريا؛ لتوسيع مناطق نفوذها.
الغارات الاسرائيليّة على سوريا خلال الأيام الماضية والتي طالت مواقع رئيسيّة في العاصمة السوريّة ليست جديدة.
إسرائيل لم تتوقف عن توجيه ضرباتٍ إلى سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد.
العامل الإسرائيلي برز في القضيّة، بعد ضرب دمشق؛ لتعلن تل أبيب بأنّها ستسمح بدخول ولكن محدودٍ لقوات الأمن السوري إلى السويداء، وإرسال المساعدات الإنسانيّة للمتضررين في المحافظات.
ما الذي تريده إسرائيل من ذلك؟ وإلى أي مدى يمكن أن يصل تدخلها في الجنوب السوري؟
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير مكترث في سياساته بمواقف دول المنطقة المستنكرة لتدخلاته العسكريّة وقصفه المتكرر لمحافظات درعا والسويداء، وهو الأمر الذي منحه فرصة كبيرة لإقناع القضاء الإسرائيلي بأهمية إرجاء جلسات المحاكم التي تلاحقه في تل أبيب، فذهب ليشرف بشكل مباشر على توسيع قصف وسط دمشق ومحيط القصر الرئاسي فيها.
حكومة نتنياهو وجدت الفرصة مناسبة لإضعاف الحكومة السوريّة، وتشويهِ صورتها داخلياً وخارجياً، تحت ذريعة أحداث السويداء، التي ربما رسمت إسرائيل مسارها بما يقود إلى الفوضى، ويخدم سياسات نتنياهو الذي يواصل إشعال فتيل النيران على كل الجبهات بما يخدم مآربه الخاصة.
يسعى نتنياهو لاقتناص الفرص لتحقيق مآربه، لاختلاق حالة من الفوضى وافتعال الأزمات، على نحو يحقق مصالحه الخاصة وأجنداته، على حساب أمن المنطقة واستقرارها بشكل عام، وكذلك أمن إسرائيل، وضمان المزيد من المكتسبات التفاوضية المستقبلية.
حكومة نتنياهو تعيش ذروة التباهي باستخدام فرط القوة، بعد تدميرِها قطاع غزّة، وإنهاك حزب الله في لبنان من خلال سلسلة من الضربات المؤلمة، وادعائها إسقاط نظام الأسد في سوريا، واعتقادها الانتصار المطلق في حربها على إيران وتدمير قدرات وكلائها في المنطقة خصوصاً الحوثيين.
جبهة سوريا ليست الوحيدة التي تعمل عليها إسرائيل عسكريّاً؛ فمنذ إندلاع أحداث السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 تخوض إسرائيل حرباً متواصلة في غزّة، ومتقطعة مع الحوثيين، وخاضت حرباً مع لبنان وإيران، وتستمر في شنِ غاراتٍ شبه يوميّة على مناطق لبنانيّة.
كيف تملكُ إسرائيل هذهِ القدرة سواء العسكريّة أو الاستخباراتيّة على شنِ كل هذهِ الحروب في هذهِ المدّة الزمنيّة؟ وهل تستطيع ذلك بمفردها؟
في بداية الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة شكّك الكثير من المحللين السياسيين بقدرة إسرائيل على الاستمرار بهذهِ الحرب لمدة شهرٍ أو شهريين على أبعد تقدير؛ لكنّ ما حدث هو العكس تماماً؛ فإسرائيل لم تستمر بالحرب على قطاع غزّة لوحدها، بل تفتح جبهات متعددة ضدّ حزب الله، وضدّ الحوثيين والحرس الثوري الإيراني، وضدّ أهداف إيرانيّة والآن أيضاً ما اعتبر أهداف في سوريا!.
نتنياهو هو محرك الشرّ في المنطقة بكل ما يمتلكة من قدرة نوعيّة، والتأثير على الحلفاء خصوصاً في الداخل الأمريكي وعلى الرئيس الإميريكي دونالد ترامب.
دون دعم الحلفاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، لم يكن بإمكان نتنياهو الاستمرار بافتعال المعارك على الجبهات المتعدّدة.
فتح هذهِ الجبهات المتعددة في آنٍ واحد يخدم شخص نتنياهو وحده وهو المستفيد الوحيد؛ سيما وهو اليوم في مأزق والائتلاف الحكومي على المحك.
وزراء حزب شاس والاستعداد للاستقالة. ما تبعات ذلك؟ وهل تشهد الأيام المقبلة تحركات اللحظة الأخيرة من نتنياهو لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟!
حكومة نتنياهو تترنح وربما توشك على السقوط، مؤشرات جاءت على خلفية الأزمة المتصاعدة على خلفية تجنيد اليهود المتشددين دينياً "الحريديم"، وبسبب عدم التوافق على تشريع يعفي أبناؤهم من التجنيد، أعلنت أحزاب هؤلاء المتمثلة في الحكومة إنسحابها منها، ولكن هل تؤدي هذه الخطوة إلى إنهيار الائتلاف الحاكم في إسرائيل ؟!
وزراء حزب شاس من المتوقع أن يقدمون إستقالاتهم من الحكومة الحكومة الخميس المقبل، بسبب أزمة تجنيد اليهود "الحريديم"، وذلك بعد أن قدّم أعضاء من حزب آخر اسمه يهدوت هتوراه" (التوراة اليهودي المتحد)، أحد الأحزاب الدينيّة المتزمتة في إسرائيل، إنسحابه من الائتلاف الحكومي الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على خلفية ما وصفه بعدم الالتزام بصياغة قانون يعفي طلاب المدارس الدينيّة من الخدمة العسكريّة الإلزاميّة.
إنسحاب هذه الأحزاب يفقد الحكومة الغالبية في الكنيست، ولكنّه لا يعني بالضرورة سقطوها، ولكن في حال تحالفت الأحزاب المستقيلة مع المعارضة وطرحت مشروع حل الكنيست فهذا يعني إسقاط الحكومة.
يعد هذا الملف من أبرز الملفات الخلافيّة التي سببت جدلاً داخلياً كبيراً في إسرائيل، الجدل زادّ الأسبوع الماضي حين أعلن الجيش الإسرائيلي بأنّه أرسل استدعاءات التجنيد لليهود الحريديم الذين كانوا معفيين من الخدمة العسكريّة، ولم تعد صفتهم طلاباً في المعاهد الدينيّة سارية بعد إنتهاء العمل بالقانون. وقال الجيش في بيان له سيتم إرسال الاستدعاءات على دفعات حتى يتم الوصول في المجمل إلى أربعة وخمسين ألف أمر استدعاء في إطار جهود توسيع قاعدة الخدمة العسكريّة الإلزاميّة.
يبدو أنّ ما تشهده الجبهة الداخليّة في إسرائيل له إنعكاساته على ملف التهدئة في قطاع غزّة العالق حتى الآن، وربما يسعى نتنياهو لكسبِ وقتٍ إضافي لعرقلة أي إتفاقٍ أو التوصل لعقد أي صفقة من خلال التمسك بشروطه في التفاوض.
رغبة نتنياهو يترجمها الجيش في الميدان؛ حيث جدد المتحدث باسم الجيش أوامر لإخلاء الفلسطينيين في عدد من أحياء منطقة غزّة، وعلى وجّهِ الخصوص جباليا حيث أمرهم بالتوجه جنوباً إلى منطقة المواصي، مؤكّداً بأنّه يعمل في المنطقة المحدّدة بقوة متزايدة لتدمير قدرات حماس.
هذه الأزمة التي حاول نتنياهو لربما تأجيلها منذ قبل أحداث السابع من أكتوبر، نظراً لأنّ هذا الملف له الكثير من الحساسيّة في الداخل الإسرائيلي، ومسألة تجنيد الأحزاب الدينيّة، ولكنّ يبدو أنّ هذه الأزمة وصلت إلى خواتيمها، وإلى حائط مسدود أمام استقالة حزبين من الحكومة.
ما يشهده الشارع الإسرائيلي هو حالة من الشرخ والإنقسام، خصوصاً مع الشعور بحالة عدم المساواة نظراً لوجود شريحة لا تخدم في الجيش الإسرائيلي، والشريحة الأخرى التي تخدم بالجيش تشعر بأنّها ذاهبة للموت في غزّة دون أكتراث من قبل نتنياهو، الذي يغامر بها، نظراً لوجود حالة من اللامساواة وهي التي أدّت إلى الإنقسام.
مصلحة نتنياهو تكمن في الحفاظ على الإئتلاف والحفاظ عليه من عدم تفكيكه، من خلال افتعال الأزمات السياسيّة الخارجيّة، لترحيل الأزمات الداخليّة.
قُبيل السابع من اكتوبر كان هناك حالة من الإنقسام والسخط في الشارع الإسرائيلي التي تعكس حدّة الشرخ في هذا المجتمع، وبعدها جاءت أحداث السابع من أكتوبر ليستخدمها نتنياهو ورقة لشدّ العصب القومي الإسرائيلي.
الجبهة الداخليّة في إسرائيل عادت إلى الغليان من جديد بسبب أزمة الحريديم، وإطالة أمدّ الحرب في غزّة وعدم تحقيق حكومة نتنياهو أهدافها، عدا عن وجود مخاطر من الذهاب إلى إنتخابات مبكرة، وما يمكن أن تسببه من إدخال إسرائيل في دوّامة عدم القدرة على تشكيل إئتلاف حكومي بسبب الإنقسامات.
ووسط هذا الزخم من الأحداث المتسارعة تكمن التساؤلات، هل دخلت إسرائيل رسميّاً على خط السويداء؟ وهل هي من تقرّر من ينتشر فيها ومن ينسحب؟!
لا انتشار لدبابات أو جيش؟! بل دخولٍ محدود لقوات أمنٍ سوريّة لمدينة أو منطقة تعتبرها خطّ تماس غير معلن في الجنوب السوري. ليس الجيش أو قوات عسكريّة بل قوات أمنيّة، حسب توصيف الجيش الإسرائيلي؛ لا دبابات بل إنتشار محسوب ومحدود، وكأنّ سوريا أمام إختبار ميداني بشروط وإملاءات إسرائيليّة!
كل ما يجري في إسرائيل يطال تجاوزات المنطقة برمتها، فقد قالها نتنياهو بوضوح؛ لقد فرضنا السّلام بالقوّة وسنواصل نزع السلاح من المنطقة بالقوّة من دمشق وحتى جبل الدروز ؟!
ما الذي تغير من الأمس إلى اليوم ؟ هل إنخفضت الشروط أم تصاعدت الحسابات؟ هل هو إنفتاح نحو احتواء إقليمي ودولي بل وضغوط ؟ وأين ذهبت دبلوماسيّة القوّة التي تغنى بها نتنياهو؟!
ومن سيضمن بأنّ أيٍ كان سيقبل بهذهِ المعادلة؟! وسط كل هذا المشهد الرصاص لم يتوقف!.
كيف يمكن ضبط الموقف؟ وما هي العوامل التي ساعدت إسرائيل بتغيير موقفها؟ وهل هذا الأمر سيمهد إلى تفاهمات لاحقة برعاية إقليميّة ودوليّة؟!
ويبقى السؤال كيف يمكن لنتنياهو أن يستمر وأن يستفيد من هذهِ المناورة قُبيل دخول الكنيست في العطلة الصيفيّة؟! وهل بقي لديه من ذخائر ليستخدمها؟ كما هل بقي لديه جبهات أخرى يريد أن يشعلها من جديد؟!
وأي طريقٍ سيسلكه نتنياهو الذي يقف اليوم على مفترق طرق إمّا سقوطاً وإمّا صعوداً من جديد؟!.
الراي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
20-07-2025 08:55 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |