19-07-2025 10:41 AM
بقلم : محمد علي الزعبي
في جغرافيا الشرق الأوسط المتشابكة وتضاريس السياسة المعقدة، تبقى سوريا لاعبًا محوريًا في صياغة معادلات الأمن والاستقرار الإقليمي. فالتاريخ، والموقع الجغرافي، والبعد القومي، والامتداد الاجتماعي والثقافي، جميعها عوامل تجعل من استقرار سوريا ضرورة لا ترفًا، ومصلحة إقليمية لا محلية فحسب.
لقد أثبتت السنوات الماضية، منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، أن أي اختلال في الداخل السوري لا ينعكس فقط على محيطها المباشر، بل يطال الأمن العربي برمته. من موجات اللجوء، إلى تغوّل التنظيمات الإرهابية، إلى تراجع مفهوم الدولة الوطنية لصالح مشاريع التقسيم والهيمنة الإقليمية، كانت سوريا ساحة لصراع دفع الجميع ثمنه، بلا استثناء.
واليوم، في ظل ما يشهده الإقليم من محاولات لإعادة التموضع السياسي، وتطبيع العلاقات، والسعي لتهدئة الملفات الساخنة، تبرز أهمية الملف السوري كواحد من أهم مفاتيح الأمن المستدام. فعودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية لم يكن مجرد إجراء رمزي، بل خطوة تحمل أبعادًا استراتيجية، تعبّر عن قناعة عربية بأن الحل لا يكون إلا بالحوار، وأن أمن العواصم يبدأ من دمشق.
لكن لا يمكن الحديث عن أمن سوريا دون التطرّق إلى أهمية الاستقرار الداخلي، والذي يبدأ من تفكيك الفصائل والتنظيمات المسلحة المدعومة من بعض دول الإقليم، والتي مزّقت النسيج السوري وأضعفت سيادة الدولة على أراضيها. إن دمج هذه الفصائل ضمن مؤسسات الدولة، وتوحيد البنية الأمنية والعسكرية، يشكّل حجر الزاوية في بناء سوريا جديدة قوية، موحدة، قادرة على تجاوز التحديات والتداعيات الخارجية والداخلية على حدّ سواء.
فاستعادة الدولة لقرارها السيادي على كامل ترابها، وضمان وحدة الأرض والشعب، هو السبيل الوحيد للخروج من دوائر التدخلات الأجنبية والصراعات العبثية التي أنهكت الدولة والمجتمع.
الأردن، على وجه الخصوص، يُدرك بحكمة قيادته الهاشمية أن الجغرافيا لا تتغيّر، وأن استقرار الجار السوري هو جزء من أمننا الوطني. ولهذا، كانت المواقف الأردنية دائمًا داعية إلى حل سياسي يحفظ وحدة سوريا، ويعيد إليها دورها العروبي بعيدًا عن سياسات المحاور والتجاذبات الإقليمية.
وفي السياق ذاته، فإن دول الخليج ومصر والعراق ولبنان، تنظر أيضًا إلى استقرار سوريا كضرورة لتعزيز أمن الطاقة، والتبادل التجاري، ومحاصرة أذرع الإرهاب. فكلما تعافت سوريا، تعافت الحدود، وتقلّصت المخاوف، وازدهرت مسارات التعاون.
إننا في لحظة فارقة، تتطلب من جميع القوى الفاعلة الإقليمية والدولية أن تنأى بسوريا عن التنافسات والمصالح الضيقة، وأن تدفع باتجاه تسوية عادلة تحقن الدم السوري، وتعيد للسوريين كرامتهم وقرارهم وسيادتهم.
سوريا ليست مجرد بلد في قلب العالم العربي، بل هي قلب الأمن العربي ذاته. وأي مستقبل آمن للمنطقة، لا يمكن أن يُكتب بمعزل عن دمشق المستقرة، القوية، والمتصالحة مع ذاتها.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-07-2025 10:41 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |