حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,19 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 40896

عبد الله طعيمات يكتب: إعادة بوصلة تعليم اللغة في مدارسنا

عبد الله طعيمات يكتب: إعادة بوصلة تعليم اللغة في مدارسنا

عبد الله طعيمات يكتب: إعادة بوصلة تعليم اللغة في مدارسنا

17-07-2025 02:13 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : عبد الله طعيمات
في صميم العملية التعليمية، تقف اللغة بوصفها الأداة الأولى للتفكير والتواصل والإبداع، ولا شكّ أن تعليم اللغة العربية في الأردن، كما في كثير من البلدان العربية، حظي باهتمام طويل، إلا أن هذا الاهتمام غالبًا ما اتّخذ وجهةً تقليدية جامدة، تركز على تعليم النحو والصرف بوصفهما الغاية الأولى وربما الوحيدة، بينما غابت مهارات اللغة الأساسية التي تحتاجها عقول الطلبة وألسنتهم وأقلامهم.
لسنوات طويلة، ظلت فلسفة تعليم اللغة العربية تكرّس الشق المعرفي القاعدي للغة – أي قواعد النحو والصرف – وكأنها الهدف الأسمى للتعلُّم. فالحصة الدراسية تُستهلُّ عادة بقواعد إعرابية، وتمتلئ بالتمارين التي تدور حول ضبط آخر الكلمة وتحديد موقعها من الإعراب، في حين يغيب السؤال الجوهري: ما الذي سيفعله الطالب بهذه القواعد؟ وكيف سيوظفها في حياته؟
في هذا السياق، تحوّل التعليم إلى حفظ واستظهار لا إلى ممارسة واستخدام. وانتهى الأمر بنا إلى تخريج أجيال تجيد – في بعض الأحيان – تحليل الجملة تحليلاً نحويًا نظريًا، لكنها تعجز عن كتابة فقرة سليمة تُعبر فيها عن رأيها في موضوع معاصر، أو إجراء نقاش لغوي بسيط بلغة عربية صحيحة.
حين نعود إلى جوهر اللغة، نكتشف أن النحو ليس هو اللغة، بل خادم لها. وضعه القدماء لضبط لسان الناس وصيانة الكتابة والنطق من الانحراف. أي أن وظيفته الأولى هي المساعدة على الفهم والتعبير، وليس أن يتحول إلى صنمٍ تُقاس به كفاءة الطالب. فهل من المنطقي أن يُطلب من طفلٍ في عمر الرابعة عشرة إعراب بيت من الشعر الجاهلي، بينما لم يُطلب منه قط أن يكتب سيرة ذاتية أو بريدًا إلكترونيًا أو خاطرة شخصية بلغة سليمة؟ المهارات اللغوية الأربع – الاستماع، التحدث، القراءة، الكتابة – هي التي تُصقل شخصية المتعلم، وتنمّي قدرته على التواصل والتفكير الناقد والإبداع. أما النحو، فيجب أن يُدمج داخل هذه المهارات، لا أن يُفصل عنها.
وعندما ننظر إلى أنظمة تعليمية ناجحة مثل النظام الفنلندي أو السنغافوري تُظهر كيف أن اللغة تُدرّس ككُل متكامل. حيث يُركَّز على القراءة الممتعة، التعبير الكتابي، الحوارات الصفية، عرض المشاريع، الكتابة الوظيفية، والأنشطة اللغوية التفاعلية. أما قواعد اللغة فتأتي ضمنيًا، من خلال التمرين والسياق، لا من خلال دروس جافة منفصلة. بعض الدول العربية بدأت مؤخرًا بتحسين مناهجها، فدمجت المهارات في مناهج اللغة الجديدة، وبدأت بالتقويم البديل مثل ملفات الإنجاز والمشاريع اللغوية، بدلًا من الاقتصار على اختبارات القواعد التقليدية.
ليس المطلوب أن نُلغي النحو، أو نستهين بقيمته، بل المطلوب أن نُعيده إلى مكانه الصحيح. فكما أن من يتعلم قيادة السيارة لا يحتاج إلى دراسة هندسة الميكانيك قبل أن يبدأ، فإن من يتعلم العربية يحتاج أن يُتقن استخدامها أولًا، قبل أن يغوص في تعقيد بنائها النحوي.
لذا شهدت مناهج اللغة العربية الجديدة في الأردن تطورًا واضحًا وملموسًا في الأعوام الأخيرة، إذ تحرّرت من أسر القواعد الجافة، وخلصت لبناء المحتوى على أساس المهارات اللغوية المتكاملة: الاستماع الواعي، والقراءة التحليلية، والتعبير الكتابي، والمحادثة الوظيفية. وهي خطوة إيجابية تعكس وعيًا تربويًا متناميًا بأن المهارة لا تُكتسب بالإعراب، بل بالممارسة والانخراط في مواقف لغوية حقيقية. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المناهج مرهون بالمعلم أولاً، فهو من يُترجم الورق إلى واقع. وهنا تبرز الحاجة المُلحة إلى تدريب المعلمين وتأهيلهم على فلسفة هذه المناهج الجديدة، وتزويدهم بأدوات تعليمية حديثة، ومهارات صفية تفاعلية، تمكنهم من تطبيق المفاهيم النظرية بطريقة حيّة تُحاكي احتياجات الطلبة. دون هذا التدريب، ستبقى المناهج الجديدة حبرًا على ورق، وقد نعود لا شعوريًا إلى أساليبنا القديمة، فنُجهض فرصة التغيير التي طالما انتظرناها.
آن الأوان أن نسأل أنفسنا بصدق: هل نعلّم أبناءنا اللغة ليُعبّروا، أم ليُعربوا؟ إن كان الهدف هو بناء إنسان مفكر، متحدث، كاتب، وقارئ، فالمهارات يجب أن تكون في الواجهة. أما إن ظللنا نغلق الأبواب على أنفسنا في دروس "كان وأخواتها" و"الممنوع من الصرف"، فستظل العربية بالنسبة لأبنائنا علماً نظريًا جامدًا، لا لغة حياة وتفاعل. فاللغة تُعاش قبل أن تُعرب.











طباعة
  • المشاهدات: 40896
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
17-07-2025 02:13 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم