25-06-2025 09:21 PM
بقلم : مريم بسام بني بكار
مريم بسام بني بكار
في عالمٍ باتت تُخاض فيه الحروب بالشيفرات كما بالصواريخ، وفي زمنٍ تتقاطع فيه الجغرافيا مع السياسة والتكنولوجيا، لم تعد الدول الصغيرة قادرة على البقاء بمنأى عن نيران الكبار. والأردن، برغم حياده المتزن وموقفه العقلاني، وجد نفسه مرة أخرى في قلب زلزال إقليمي لا يد له فيه، سوى بثباته ومكانته الجيوسياسية. وبين صخب الصواريخ وضجيج الهجمات السيبرانية وقلق الشعوب، وقف الأردن كعادته شامخًا، بجيشه وقيادته التي تضبط إيقاع الاستقرار في زمن اللايقين.
لم تكن الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة مواجهة تقليدية، بل شكّلت نقطة تحوّل في تاريخ الصراعات الحديثة، حيث تزاوجت القوة النارية مع الهجمات السيبرانية بشكل متزامن. اعتمد الطرفان على الحرب الرقمية جنبًا إلى جنب مع الهجمات العسكرية، ما أدى إلى تشويش في أنظمة الدفاع والهجوم، وتساقط صواريخ في مواقع لم تكن ضمن نطاق الأهداف، منها الأراضي الأردنية، التي عاشت لحظات من التوتر والقلق.
وقد تعرض الأردن خلال أيام الصراع إلى موجات من الاختراقات السيبرانية التي استهدفت بعض الأنظمة والمؤسسات، في محاولة لزعزعة استقراره الرقمي. لم يكن ذلك مصادفة، بل انعكاسًا لموقعه الجيوسياسي الحساس ولسياسته المتوازنة التي أزعجت أطرافًا تبحث عن الاصطفاف الكامل. بالتزامن، سقطت شظايا ومقذوفات في عدة مناطق أردنية نتيجة خلل في أنظمة التوجيه أو تشويشٍ متعمد على مسارات الصواريخ.
في خضم مواجهة هذه التهديدات ، برزت حكمة القيادة الهاشمية في إدارة الأزمة. فقد تحرّك جلالة الملك عبدالله الثاني بهدوء وحزم، موجّهًا باتخاذ إجراءات فورية لتعزيز الأمن الوطني ورفع مستوى التأهب في مختلف القطاعات. لم يكن الهدف فقط حماية الأرض، بل طمأنة الشعب وترسيخ صورة الأردن كمركز للاستقرار في محيطٍ متقلب.
وكان للجيش العربي وسلاح الجو دور حاسم في التصدي لأي تهديد محتمل. فالقوات البرية، المدربة والمجهزة، قامت بتأمين الحدود والمناطق الحيوية، وتعزيز التمركز الأمني، وتنفيذ عمليات مراقبة دقيقة بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات. أما سلاح الجو الأردني، فكان العين الساهرة على مدار الساعة، مستخدمًا تقنيات رصد جوية متقدمة وطائرات مسيرة حديثة لرصد ومنع أي اختراق جوي أو سقوط مقذوفات في مناطق مدنية أو استراتيجية. التنسيق بين الجيش وسلاح الجو كان نموذجًا للتكامل والجاهزية.
وعلى الجانب الرقمي، عملت فرق الأمن السيبراني بتنسيق وثيق مع القوات المسلحة لتأمين البنية التحتية الرقمية والأنظمة الحيوية، ما ساهم في احتواء موجات الاختراق الإلكتروني. لقد أظهر هذا التكامل بين الميدان والجو والفضاء الرقمي قدرة الأردن على الصمود أمام التهديدات المتعددة الأبعاد.
وإلى جانب القيادة والجيش، لا يمكن إغفال دور الشعب الأردني، الذي كالعادة، جسد أسمى معاني الولاء والانتماء، والتفّ حول قيادته وجيشه في موقف وطني مهيب. لقد أظهر الأردنيون وعيًا استثنائيًا وصبرًا كبيرًا ووحدة وطنية قل نظيرها، ما يثبت أن هذا الوطن لا ينهض إلا بتكاتف جميع أبنائه.
وتسلط هذه الأحداث الضوء على ضرورة مواصلة مسيرة الإصلاح الوطني سياسيًا واقتصاديًا وإداريًا، وهي المسيرة التي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني بعزم وثبات، ويعززها سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني برؤية شبابية تؤمن أن الأمن لا يُبنى فقط على الجدران، بل على أسس العدل والتنمية وتمكين الإنسان. إن رؤيته لمستقبل أخضر، آمن ومزدهر، تمثل خارطة طريق حقيقية لتحصين الداخل وتحقيق التوازن بين الحماية والنهضة.
ويتحمل الأردن عبئًا مضاعفًا في هذه الظروف، إذ تجمع جغرافيته بين خطوط النار، وتُحتم عليه مكانته السياسية أن يكون صمام أمان للمنطقة بأسرها. وفي هذا المشهد المعقد، يواصل الأردن أداء دوره التاريخي بهدوء الكبار، لا يسعى إلى الاشتباك، ولا يسمح بالانزلاق، بل يبرهن أن العقلانية يمكن أن تكون درعًا، وأن الحكمة قادرة على التصدي للفوضى.
ولا يمكن للأردن أن يبقى متفرجًا على التطورات المتسارعة، بل عليه أن يواصل تعزيز قدراته الأمنية والعسكرية، خاصة في مجالات الأمن السيبراني والتكنولوجيا الحديثة، لمواجهة التهديدات المتزايدة. كما تؤكد رؤية القيادة الهاشمية أهمية الاستثمار في الإنسان والتقنيات كخط الدفاع الأول في معركة المستقبل.
وإضافة إلى موقعه الجغرافي، فإن مكانة الأردن السياسية المتوازنة تمنحه فرصة فريدة ليكون جسرًا للحوار والسلام في منطقة تمزقها الصراعات. فالاستقرار الأردني لا يخدم الأردنيين فقط، بل يمثل حجر أساس في أمن الشرق الأوسط. ومن هنا، تبرز مسؤولية الأردن في المضي قدمًا بسياسة التوازن والحكمة، وتعزيز شراكاته الإقليمية والدولية، مع التركيز على تطوير القدرات الوطنية في مواجهة التهديدات التقليدية وغير التقليدية.
وفي الختام، يبقى الأردن نموذجًا فريدًا في منطقته؛ نموذجًا للصمود، والحكمة، والعمل الدؤوب من أجل أمن شعبه وسلامة أرضه. في وقتٍ يحتاج فيه العالم إلى مثل هذه النماذج التي تضيء طريق الاستقرار وسط ظلام الفوضى.
حفظ الله الأردن وقيادته الهاشمية الحكيمة، وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، وحفظ جيشنا العربي المصطفوي، وأجهزتنا الأمنية الساهرة، وشعبنا الأردني العظيم، الذي يبقى دائمًا السند الحقيقي لهذا الوطن. نسأل الله أن يديم على أردننا نعمة الأمن والأمان، وأن يبقى واحة استقرار وسلام، وعنوانًا للشموخ والعزة في محيط لا يهدأ.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-06-2025 09:21 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |