بقلم : نضال أنور المجالي
في عالم تتلاطم أمواجه وتتوالى اضطراباته، يتردد صدى كلمات جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في الأفق، ليرسم صورة دقيقة لواقع تعيشه البشرية. "لا عجب بأننا نشعر بأن عالمنا قد ساده الانفلات، وكأنه قد فقد بوصلته الأخلاقية"، بهذه الكلمات الموجعة يصف جلالته حالة الضياع التي نعيشها، في زمن تتفكك فيه القواعد وتتبدل فيه الحقائق.
إننا نشهد اليوم تصاعدًا مقلقًا في وتيرة الكراهية والانقسام، ففي كل زاوية من هذا العالم المترامي الأطراف، تتجلى صور للتطرف الأيديولوجي الذي يزحف ليقضي على قيم الاعتدال والإنسانية المشتركة. لقد تراجعت لغة الحوار والتفاهم، وحل محلها الصدام والصراع، مما ألقى بظلاله الداكنة على مستقبل الأجيال القادمة.
لقد أصبحنا نعيش في عالم يختلط فيه الصواب بالخطأ، وتتلاشى فيه الحدود الفاصلة بين الحقيقة والزيف. تتغير الروايات وتتبدل الحقائق كل ساعة، ويجد الإنسان نفسه غارقًا في بحر من المعلومات المتضاربة، ليصبح من الصعب عليه التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مجرد تضليل. هذا التدهور في القيم الأخلاقية والفكرية يهدد بتقويض أسس المجتمعات، ويزيد من حدة التوترات والصراعات.
إن كلمات الملك ليست مجرد وصف لواقع مؤلم، بل هي دعوة صريحة للتأمل والتحرك. إنها دعوة لاستعادة البوصلة الأخلاقية المفقودة، ولإعادة ترسيخ القيم الإنسانية التي طالما كانت أساسًا لبناء الحضارات. إنها دعوة للوقوف في وجه التطرف بكل أشكاله، ولتعزيز ثقافة التسامح والاعتدال التي هي صمام الأمان الوحيد في وجه هذا الانفلات.
لقد آن الأوان لأن تتحد الجهود، وأن تتضافر الإرادات، لمواجهة هذا التحدي الوجودي. يجب أن نعمل جميعًا، أفرادًا ومجتمعات ودولًا، على إعادة بناء الجسور التي هدمتها الكراهية، وعلى إحياء القيم العالمية التي تراجعت أمام عصف الأيديولوجيات المتطرفة. إنها مسؤولية جماعية تقع على عاتق كل من يؤمن بمستقبل أفضل، عالم يسوده السلام والعدل والاحترام المتبادل.
في خضم هذه الاضطرابات، تظل رؤية القيادة الهاشمية منارة تهتدي بها الأمة، وتؤكد على أهمية التمسك بالقيم والمبادئ، مهما اشتدت التحديات. فاستعادة بوصلة العالم الأخلاقية تبدأ من إعادة التزامنا بالمبادئ الإنسانية الأساسية، وتأكيدنا على أن الحقيقة والاعتدال هما السبيل الوحيد نحو عالم أكثر استقرارًا وإنسانية.
حفظ الله الأردن والهاشميين
الكاتب: المتقاعد العسكري نضال أنور المجالي