18-06-2025 12:53 PM
بقلم : ماجد الفاعوري
في لحظة فارقة من الصراع الإقليمي والدولي على الرواية والموقف وفي زمنٍ تُكبل فيه الحقيقة بخيوط المصالح الغربية وقف جلالة الملك عبد الله الثاني أمام البرلمان الأوروبي لا بوصفه قائدًا لدولة شرق أوسطية صغيرة فحسب بل بوصفه حاملًا لضمير الأمة وصوتًا من أعماق المأساة الفلسطينية وقدرة نادرة على التعبير الدبلوماسي الذي يُشهر الحق في وجه صلف القوة.
لم يكن الخطاب استجداءً ولا استعراضًا بل كان فعل مواجهة هادئة وعاقلة مسنودة بتاريخ طويل من الفهم العميق لمزاج العالم الغربي ونقاط ضعفه ولغة المؤسسات الأوروبية التي كثيرًا ما تختبئ خلف العبارات المتوازنة لتبرير عجزها عن الوقوف في وجه الجريمة ولعلّ أعظم ما فعله الملك في خطابه هذا أنه نزع الأقنعة عن ذلك التوازن الزائف وأجبر البرلمانيين الأوروبيين أن ينظروا في مرآة صريحة لحضارتهم التي تدّعي حقوق الإنسان لكنها تصمت حين يُباد شعب أعزل.
استهل جلالته كلمته بتقنية خطابية رفيعة حين أعاد الذاكرة الأوروبية إلى عمقها المأساوي إلى حروبها الداخلية إلى الانقسامات التي مزقتها قبل أن توحدها المعاناة لم يكن ذلك استعراضًا تاريخيًا بل تمهيدًا لمقاربتين متوازيتين أن ما تعانيه غزة اليوم هو تجسيد حي لنفس الوحشية التي عرفتها أوروبا ذات يوم وأنه إن كان لأوروبا أن تخرج من حروبها بتجربتها الحقوقية فعليها ألا تنكر هذا الحق على غيرها بهذا الاستدعاء التاريخي وضع الملك أوروبا أمام مسؤوليتها الأخلاقية لا القانونية فقط وأمام ما سمّاه بوضوح نسخة مخزية من الإنسانية التي تتجلى في غزة.
ثم وفي لحظة بلاغية مدهشة استحضر جلالته العهدة العمرية لا كوثيقة دينية بل كمرجعية سياسية لعدالة الإنسان حين لا يكون متورطًا في عنف القوة ذكرهم أن القدس لم تعرف في تاريخها احترامًا للمقدسات كما عرفته تحت ظل الإسلام وبهذا وظّف التاريخ ليصنع معيارًا أخلاقيًا يقيس به حاضرًا شديد الظلمة لم يكن يطلب من أوروبا أن تنحاز له بل أن تنحاز لمبادئها إن كانت لا تزال تحمل شيئًا منها.
حين انتقل الملك إلى الحديث عن العدوان على غزة والضفة لم يكن محتدًا ولا غاضبًا بل كان هادئًا إلى حد الفضيحة هدوء العارف بما يجري بدقة والعارف أكثر بأن هذا الصمت الأوروبي لا يُعبّر عن جهل بل عن تواطؤ خاطبهم بلغة الواقعي الذي يعرف موازين القوى لكنه يرفض أن يتحول إلى بوق لها وقال ما لا يجرؤ سواه على قوله في مثل هذا المنبر إن إسرائيل تُمارس حربًا منهجية وأن العالم الغربي بصمته أو بتبريره يُسهِم في صناعة كارثة إنسانية
ثم تطرق بدهاء السياسي المحنّك إلى خطر تمدد الحرب نحو إيران وبيّن أن العمى الأخلاقي الذي يحيط بجرائم إسرائيل سيقود إلى اشتعال أوسع ليس من منطلق التحذير الدرامي بل من موقع المسؤولية السياسية تحدث عن المنطقة كما لو كانت لوحة استراتيجية في عقل خبير يعرف أن كل تحرك غير محسوب سيقود إلى فوضى يستحيل احتواؤها
الأهم من ذلك أن الملك لم يقدّم خطابه كزعيم عربي يريد الدعم لقضية شعبه فحسب بل كصوت عالمي ينبه الضمير الإنساني إلى هشاشته ويحمّله مسؤولية ما سيحدث لاحقًا إذا استمر هذا التواطؤ تحت مظلة الشرعية الدولية المتهالكة.
الملك عبد الله الثاني لا يترك مناسبة دولية دون أن يفضح الجرائم الإسرائيلية لا لأن ذلك جزء من واجبه فحسب بل لأنه وبكل وضوح القائد العربي الوحيد الذي لا يزال يمتلك شرعية الحديث أمام العالم بلغته ويُجيد مخاطبته بخطاب لا ينتمي للشعارات بل للحقيقة الجارحة.
لقد كان خطابه أمام البرلمان الأوروبي شهادة سياسية نادرة لا في قوة الموقف فقط بل في عمق الإدراك بأن المعركة اليوم لم تعد فقط على الأرض بل على الرواية على من يمتلك الشجاعة ليقول لا في وجه الكذب الدولي المغلف بالمصطلحات الدبلوماسية.
في هذا الزمن الذي تخاف فيه الدول من إغضاب إسرائيل كان الملك عبد الله الثاني واضحًا مباشرًا عميقًا ومختلفًا وبهذا الخطاب أثبت أنه ليس مجرد صوت للحق بل هو مدرسة قائمة في فن تحويل الدبلوماسية إلى سلاح مقاومة
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-06-2025 12:53 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |