16-06-2025 04:15 PM
بقلم : د. رانيه اسماعيل
لطالما لفتت انتباهنا الكوارث النووية، ليس فقط بسبب ما ينتج عنها من دمار بيئي وصحي، بل لما تتركه من آثار نفسية مدمرة تمتد لسنوات طويلة وربما لأجيال. الاشعاع النووي غير مرئي، وهذا بحد ذاته يولد خوفا داخليا لا يفسر بسهولة، فالخطر موجود لكنه غير محسوس، مما يجعل الناس يعيشون في قلق دائم. ففي حوادث مثل تشيرنوبيل وفوكوشيما، لم يكن الرعب فقط من الاصابة بالسرطان، بل من الجهل بما قد يحدث مستقبلا، مما سبب اضطرابات نفسية واضحة، مثل الاكتئاب، والقلق، وحتى اضطراب ما بعد الصدمة. لقد توصل منتدى تشرنوبيل التابع للامم المتحدة عام 2006 الى ان المسألة الاكثر تأثيرا على الصحة العامة هي الضرر الذي يلحق بالصحة العقلية. وهنالك تقارير تثبت ان الكثير من المهجرين قسرا من مناطق التلوث الاشعاعي واجهوا صعوبات نفسية مستمرة بسبب فقدان الاستقرار والهوية. وعانى الاطفال من قصور اكاديمي وعاطفي واجتماعي. ووفيات مبكرة واعاقات متعددة وزيادة في استخدام الخدمات الطبية. والجرعات العالية من الاشعاع يمكن ان تلحق الضرر المباشر بالوظيفة الادراكية، مما قد يؤثر بدوره على الاداء الادراكي للصغار والكبار.
الامر المؤلم ايضا هو الوصمة الاجتماعية التي يواجهها المتضررون، كما حدث مع الناجين من هيروشيما وناجازاكي، الذين عانوا من نظرة مجتمعية سلبية جعلت الكثير منهم يشعرون بالعزلة. الكثير منهم لم يقبل في عمل او زواج فقط لانه ناج نووي، كما ان التهجير وفقدان الوطن كان لهما تأثير كبير، كما حدث مع الكثير من سكان المناطق المحيطة بتشيرنوبيل، الذين تأثر نمط حياتهم للابد، بل وضرب جذور انسانيتهم وهويتهم. لهذا فان الاثر النفسي للاشعاع لا يقل خطورة عن اثره الجسدي.
برايي، ما يجعل الخطر النووي مرعبا اكثر من غيره هو امتداده الزمني والنفسي. حتى لو نزعت القنابل او توقفت التجارب، فان الاثر النفسي يبقى مزروعا في الذاكرة الفردية والجماعية. وهذا ما يجعلني اؤمن بشدة ان السلام الحقيقي لا يمكن ان يتحقق في عالم يمتلك فيه البعض القدرة على محو مدن بكاملها في لحظات. علينا كافراد ومجتمعات ودول ان نرفض استمرار وجود هذا النوع من السلاح الذي سيستخدم يوما ضد البشر، وان ندعم كل جهد دولي يهدف الى التخلص منه. ليس فقط لحماية الحياة، بل لحماية المعنى الانساني نفسه.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-06-2025 04:15 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |