16-06-2025 01:52 PM
بقلم : جوان الكردي
في كل صباح، نسمع الخبر ذاته: فلان ترقّى، فلان انتقل من منصب إلى منصب. الوجوه ذاتها، الأسماء ذاتها، وكأن لا أحد غيرهم في هذا الوطن الكبير. تتبدّل الكراسي، ويتغيّر الديكور، ويبقى المشهد كما هو: المناصب والوظائف مغلقة أمام الكفاءات ومحصورة بأهل الحظوة، والفرص لا تُخلق إلا لمن سُوِّيَت لهم الطريق.
في الجانب الآخر من الصورة، حيث لا كاميرات ولا أضواء، يجلس الآلاف في منازلهم، مهمَّشين، منسيين. رجال ونساء فقدوا وظائفهم بقرارات فجائية، أو بفعل تغيّرات اقتصادية لم يكونوا سبباً فيها، واليوم يطحنهم الغلاء ويشحدون الملح، بلا تأمين صحي، بلا راتب تقاعدي، وإن وجد فلا يلبي الحد الأدنى، بلا أدنى شعور بالأمان.
هنالك من قبعوا في بيوتهم قسرا؛ لا لأنهم لا يستحقون، بل لأنهم خارج دوائر النفوذ. موظفون سابقون أُقصوا تحت شعارات التطوير الإداري، أو ضغط عليهم ليخرجوا بـ"التقاعد المبكر"، وبخاصة بعد جائحة كورونا.
تقاعدوا في سن العمل، لا لشيء سوى أن مؤسساتهم اختارت التخلص منهم بدل دعمهم. اليوم لا هم قادرون على العودة إلى سوق العمل، ولا رواتبهم التقاعدية تكفي لإطعام أولادهم أو تأمين أساسيات الحياة.
بعضهم لا يملك حتى الحق في الحلم بالوظيفة، لأن "الواسطة" أصبحت شرطا أساسيا للعبور إلى أي فرصة. شهاداتهم مجمدة، أعمارهم تمضي، والمقابلات مغلقة، والردود معدومة.
هؤلاء ليسوا أرقاما في قوائم البطالة، بل هم قصص حقيقية، أبناء هذا البلد، تعبوا ودرسوا وعملوا، لكنهم ليسوا من "الشلة". في زمن أصبحت فيه "الواسطة" جواز عبور لكل شيء: للتعيين، للترفيع، حتى للعلاج والتعليم، لم تعد الكفاءة أو الاستحقاق هو المعيار.
نسأل: لماذا لا يُنظر إلى هؤلاء؟ لماذا لا تُفتح ملفات الإقصاء الوظيفي؟ لماذا لا تُراجع أسس التعيين والترفيع في المؤسسات العامة؟ أليس من حق كل مواطن أن يحظى بفرص متكافئة في بلدٍ يُفترض أنه للجميع؟
إننا لا نحسد من يعمل، بل نحزن على من يُقصى رغم قدرته وكفاءته. نُطالب بعدالة حقيقية، بفرص شفافة، بمؤسسات توظّف على أساس الجدارة لا القرابة.
الوطن لا يُبنى بمنطق "هُم هُم"، بل بعقول جديدة، ودماء متجددة، ومجتمع يشعر أفراده أن لهم مكانا على طاولة القرار، لا أن يقفوا طوابير خلف كراسي تتحرك لأناس وناس.
فهل من يسمع؟
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-06-2025 01:52 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |