حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,18 يونيو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4912

د. شادية خريسات تكتب: "أهرب من صوتي .. فلا مهرب" .. صافرات الإنذار في الأردن: خوف لا يُقال

د. شادية خريسات تكتب: "أهرب من صوتي .. فلا مهرب" .. صافرات الإنذار في الأردن: خوف لا يُقال

 د. شادية خريسات تكتب: "أهرب من صوتي ..  فلا مهرب" ..  صافرات الإنذار في الأردن: خوف لا يُقال

16-06-2025 01:47 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. شادية خريسات
في كل مرة يدوّي فيها صوت صافرة الإنذار في سماء عمّان، لا أسمع فقط صوت الخطر... بل أسمع دقات قلوب ترتجف، وأرواح تبحث عن أمان مفقود. ليست صافرة عابرة، بل جرس إنذار داخلي يوقظ ذاكرة الحرب في نفوس لم تشهدها، لكنها تشعر بثقلها كلما اقترب ظلّها.

لسنا في طهران ولا في تل أبيب، لكننا على مرمى شعور من كل ما يحدث. الأردن، هذا البلد الهادئ الذي يحاول أن يبقى خارج دائرة النيران، لم يعُد بمنأى عن التوتر. ليس بالمعنى العسكري فحسب، بل بالمعنى النفسي العميق. فحين تُفتح نشرات الأخبار على كلمات مثل "صواريخ"، "هجوم"، و"ردّ"، تُغلق في داخلنا نوافذ الطمأنينة.

منذ أن بدأت وتيرة التصعيد بين إيران وإسرائيل، بدأت ألاحظ في جلساتي النفسية تغيرًا في نبرة القلق لدى الناس. لم يَعُد الأمر يقتصر على قلق العمل أو العلاقات أو المستقبل... بل قلق أكبر، غامض، متداخل. "دكتورة، ليش كل يوم بنسمع صافرة إنذار؟"، "شو بنعمل لو صار إشي؟"، "أنا مش قادرة أنام، بحس كل صوت طيارة هو قصف".

هذه ليست مجرد كلمات، بل صرخات خافتة من شعب يتنفس الترقب. شعب يريد فقط أن يعيش، لكنه يترنح بين الأخبار المتلاحقة وصدى صافرات تزرع الهلع، لا الحماية.

الطفل الذي يبكي كلما سمع صافرة، الأم التي تحاول أن تشرح لابنها ما لا تفهمه هي، المراهقة التي تسأل: "هل رح تصير حرب ونموت؟"، والموظف الذي يحمل هاتفه أكثر من ملفاته ليعرف هل اقترب الخطر أم لا... هؤلاء هم وجوه الحرب غير المرئية في الأردن.

في جلساتي، أحاول أن أُطمئن، أن أُعيد التوازن، أن أذكّر بأن صوت الصافرة ليس نهاية العالم. لكنني أيضًا لا أستطيع أن أتجاهل أثرها النفسي: الأرق، نوبات الهلع، القلق العام، وأحيانًا مشاعر لا واعية من الغضب أو اللامبالاة.

لا نملك أن نوقف الحرب، ولا أن نمنع الصافرة. لكننا نملك أن نمنح بعضنا صوتًا مختلفًا: صوت الفهم، صوت الاحتواء، صوت الراحة.

في زمن الحرب النفسية، لعلّ أبسط ما نحتاجه هو أن نُطمئن بعضنا: "أنا معك، مش لحالك"، "أنا كمان خفت"، "خلينا نحكي".

ربما علينا أن نُدرّس أطفالنا كيف يتعاملون مع الخوف، أن ندرب أنفسنا على أن نميز بين الخطر الحقيقي والافتراضي، أن لا نحول الصافرة إلى عدو داخلي. فالحرب، وإن لم تصل إلينا جسديًا، تصل أحيانًا من أضعف نقاطنا: الشعور.

لننتبه... ليس فقط لصوت الطائرات في السماء، بل لأصوات القلق التي ترتفع في بيوتنا دون أن نسمعها.

لعلّ الحروب التي لا نُشارك فيها، تُصيب أرواحنا من دون أن تَجرح أجسادنا.











طباعة
  • المشاهدات: 4912
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
16-06-2025 01:47 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة المياه والري بقيادة الوزير المهندس رائد أبو السعود؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم