16-06-2025 10:33 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
تستمر المواجهة العسكرية بين إيران والكيان الصهيوني، والتي يتم فيها تبادل إطلاق جميع أنواع الصواريخ والمسيرات الحربية، حيث تتمسك إيران بمبدأ الدفاع الشرعي لكي تبرر لنفسها استعمال المجالات الجوية للدول الأخرى، ومن ضمنها الأردن، للرد على الاعتداءات الإسرائيلية التي تقع عليها.
بدوره يرفض الأردن هذه الحجج والمبررات التي تتعارض مع مبادئ القانون الدولي، ويصر على إغلاق مجاله الجوي في وجه الطائرات المدنية والعسكرية لحماية أمنه وسلامة أراضيه. فما يصدر عن الدولة الأردنية من قرارات في هذا الخصوص تدخل ضمن إطار ممارستها لحقها في السيادة الكاملة على إقليمها الجوي. فالدولة كما يعرفها فقه القانون الدستوري تتشكل من ثلاثة عناصر هي الشعب والإقليم والسلطة السياسية، وأن عنصر الإقليم يتسع نطاقه ليشمل النطاق الأرضي ممثلا باليابسة، والنطاق المائي ممثلا بالبحار والبحيرات الداخلية، والنطاق الجوي الذي يعلو الإقليمين الأرضي والمائي.
إن قاعدة سيادة الدولة المطلقة على إقليمها الجوي تعد حجر الزاوية في القانون الدولي، ومبدأ أساسيا يحدد قدرة الدولة على بسط سلطتها الكاملة على المجال الجوي الذي يعلو أراضيها ومياهها الإقليمية. وقد ترسخ هذا المبدأ منذ القِدم في اتفاقية باريس لعام 1919، التي نصت صراحة على أن "لكل دولة سيادة كاملة ومطلقة على الفضاء الجوي الذي يعلو أراضيها ومياهها الإقليمية".
ومن ثم تعزز هذا المبدأ في اتفاقية شيكاغو للطيران المدني الدولي لعام 1944، التي وإن كانت تشمل الملاحة المدنية دون الحربية، إلا أنها تعد المرجع الأساسي في تنظيم الملاحة الجوية الدولية. فقد كرست هذه الاتفاقية مبدأ السيادة المطلقة على الإقليم الجوي، ومنحت الدول الأعضاء الحق في تنظيم حركة الطائرات الأجنبية عبر أجوائها، وتحديد شروط مرورها، أو حتى منعها لأسباب أمنية أو تنظيمية.
وتتمثل أبعاد السيادة التي يتمتع بها الأردن على إقليمه الجوي بالبُعد الأمني والدفاعي، والذي يسمح له بالسيطرة الكاملة على أجوائه لمنع أية اختراقات غير مصرح بها قد تشكل تهديدا لأمنه، وتعطيه الحق في اعتراض الطائرات المشتبه بها، وتطبيق إجراءات الدفاع الجوي عليها، وتحديد مناطق حظر الطيران.
كما يمتد نطاق السيادة الجوية ليشمل البُعد التنظيمي والإشرافي، والذي يُعطي الدولة الحق في وضع القوانين الناظمة للملاحة داخل مجالها الجوي، بما في ذلك إصدار التصاريح وتحديد المسارات الجوية، بالإضافة إلى البُعد الاقتصادي القائم على أساس فرض رسوم على مرور الطائرات الأجنبية، وتنظيم حقوق الهبوط.
إن القواعد الدولية التي تعترف للأردن بالولاية المطلقة على إقليمه الجوي قد جرى تكريسها في تشريعات وطنية يجري الاستناد إليها في القرارات الصادرة بإغلاق الأجواء الأردنية. فالمادة (3) من قانون الطيران المدني رقم (41) لسنة 2007 وتعديلاته تنص صراحة على أن "للمملكة السيادة الكاملة والحصرية على المجال الجوي الذي يعلو إقليمها". وتتضمن المادة (4) من القانون إشارة واضحة وصريحة لتطبيق القوانين الدولية ذات الصلة، حيث تنص بالقول "تطبّق في المملكة أحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية الجماعية والثنائية المتعلقة بالطيران المدني والتي تكون المملكة طرفا فيها بما في ذلك اتفاقية شيكاغو".
وفيما يتعلق بالقرار السيادي بوقف الملاحة الجوية في الأردن، فإنه يصدر عن هيئة تنظيم الطيران المدني استنادا لصلاحياتها المقررة في المادة (7) من القانون والتي لتشمل "تنظيم جميع الأمور المتعلقة بالطيران المدني بما في ذلك تنظيم سلامة وأمن الطيران والتنظيم الاقتصادي والبيئي له". كما تنص المادة (12) من قانون الطيران المدني على أنه من صلاحيات مجلس مفوضي الهيئة اتخاذ الإجراءات الضرورية لسلامة وأمن عمليات الطيران في المجال الجوي للمملكة.
إن هذه الأسانيد القانونية في التشريعين الدولي والوطني تعطي الأردن الحق المطلق في ممارسة سيادته الكاملة على إقليمه الجوي، وذلك بإغلاقه في وجه الصواريخ التي تطلقها كلا الفريقين المتحاربين. فلا يُقبل بعد ذلك الاحتجاج بأية مبررات في القانون الدولي لإلزام الأردن باستخدام نطاقه الجوي. فالأصل العام في مجال العلاقات الدولية هو استخدام الحوار والتفاوض لحل الخلافات بين الدول، وألا يتم اللجوء إلى القوة أو التهديد باستخدامها كقاعدة عامة وذلك استنادا لأحكام المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة.
كما لا يمكن التذرع بأي حجج أخرى تتعلق بدعم المقاومة الفلسطينية للضغط على الأردن لتمرير المقاتلات الإيرانية. فمواقف الأردن الرسمية والدولية في دعم القضية الفلسطينية لا يمكن اجتزاؤها والانتقاص منها بسبب قيامه بحماية أمنه واستقراره الداخلي. فكفالة السلم الاجتماعي وحماية حقوق الأردنيين في الحياة وسلامة الأبدان هي التزامات دستورية مقررة على الدولة الأردنية في مواجهة أفراد شعبها، لا يمكن لها أن تتبرأ منها أو تساوم عليها.
* أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-06-2025 10:33 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |