08-06-2025 11:04 PM
بقلم : د. ذوقان عبيدات
كما أنهم يغسلون الأموال، ويبيّضونها، فإنهم يبيّضون الأسنان، ويبيّضون الوجوه، ويبيّضون الأفكار أيضًا.
تقوم عمليات التبييض، أو الغسيل
بالآليات نفسها: تبييض الأموال، وغسلها يتم عن طريق إخفاء مصدرها، ثم توزيعها في عدة جهات، وتوظيفها في مشروعات
إنتاجية شكلية تغطي المصدر الأصلي.
فالتبييض عملية خداع، تقوم على
إخفاء الأصل، واستبدال السيء بالجيد. وهذا ما يتم في أي عملية تبييض، كتبييض الطناجر النحاسية، وهي مهنة انقرضت بسبب التيفال، والألمنيوم.
ترجع عملية تبييض الأموال إلى زعيم المافيا الإيطالية: "الفونس كابوني"، الذي كان يغسل أموال المخدرات، والجرائم. وهكذا امتدّت إلى غسيل الأفكار!
(١)
خوارزميات تبييض الأفكار !
الأفكار هي سلعة أيضًا، وحين تكون السلعة "بايرة " يقومون بتجديدها وغسلها ، ويقدمونها لك عبر سلسلة من الخوارزميات بشكل ملفوف بورق هدايا. فالورقة أنيقة، وألوانها زاهية، فسرعان ما يتم تخاطفها، وسرعان ما نشعر أنها أفكارنا، وليست ما أغرقونا به من أفكار. ومن أمثلة ذلك على المستوى العام: الديموقراطية، وحقوق الإنسان، والتمثيل البرلماني، والاستقلال، والسيادة،
ومن أمثلة ذلك محليّا:
* الكف، والمخرز.
* الأمن قبل الكرامة.
* الحاقدون على الوطن.
* المقاومة انتحار.
* أنا أولًا.
. رجال الحق، ورجال الباطل.
* "اللي مش عاجبه ينقلع".
* المختلف خائن.
* ليس بالإمكان أفضل مما كان،
وغير ذلك من مصطلحات ومفاهيم.
طبعًا يخلطون الحابل بالنابل،
فبعض المفاهيم السابقة خير، وبعضها خير أريد به باطل!
يغلفون كل ذلك بورق أنيق:
مصلحة الوطن، الوحدة الوطنية، والهُوية حتى لو كانت جامعة.
المهم يبرمجوننا عبر سلسلة خوارزميات.
(٢)
كيف يتم تبييض الأفكار؟
تمامًا كغسيل الأموال وتبييضها، يتم تبييض الأفكار، وغسيلها.
ويمارسون الخطوات نفسها:
-إخفاء المصدر، أو اختفاؤه، فلا نكاد نعرف مصدر بعض الأفكار الخطيرة! حتى تأتي قوى خفية تسرّب الخبر، وقوى أخرى تلفه بورق الهدايا، وقوى ثالثة تغرق السوق به عن طريق مشاركة فورية للفكرة من دون التدقيق بمصدرها.
نحن لا نعرف من قال لنا أفكارًا
مثل:
_ إسرائيل ليست عدوتنا.
_ أصدقاء اسرائيل وممولوها هم أصدقاء لنا، أو لا مانع من صداقتهم.
_ إيران رأس الفتنة!.
_ تغيّر الإرهابي وصار حداثيّا
_ ليس بإمكاننا عمل أفضل مما عملنا. … إلخ.
إن المصدر خفي، ولكنّ هناك وسطاء طيبين ينقلونه بحسن نية، أو بسوئها، يكررون ذلك. ويُغرقون السوق. ثم يقدمونها لك لتختار من خيارات كلها من علبة واحدة!
وهكذا يشعِرونك أنك اخترت بحرية، وأن سلوكك كان بمحض إرادتك:
* هل تريد الأمن، أم الفوضى! طبعًا الأمن!
* هل تريد الانتحار، أم البقاء؟ طبعًا البقاء!
* هل تريد أن نضيع أم نبقى؟ طبعًا
نبقى!
* وهكذا، فكل ما نحن فيه هو خيار بمحض إرادتنا!
(٣)
كيف تقاوم غسيل الأفكار!
قلت: إنهم هندسوا وعيَنا، ولا نعرف من هم المهندسون. فالمصدر مجهول. أما المبيّضون، فهم معروفون، وهم من شاركوا المصدر بوعي ومن دون وعي!
كرروا ذلك مرارًا! أغرقوا السوق به، فنضطّر للاختيار من السلع المعروضة:
_ هل تريد الجولاني المحرر، أم سجن صدنايا؟
_ هل تريد تدمير بلدك، أم بناءها؟
_ هل تريد الحرية، أم التديّن المسيّس؟
_ هل أنت مع الوطن، أم عدوّ له؟
_ هل أنت مع المنتخب، أم مع الشيعة؟
_ هل تريد، وهل تريد…إلخ؟
هذه هي الخيارات! وليس في أي منها صراع ، والجواب واضح جدّا:
أنا مع الوطن، والأمن، والمنتخب!
ولن يختار أي مواطن غير ذلك
طبعًا!
وهكذا كما أخفى غاسلو وسائر المبيّضين مصدرالأموال
، واستثمروا الأموال في مشروعات كلها خير، فإن غاسلي الأفكار أخفوا كل التفاصيل؛ ليقدموا لنا خيارات كلها خير!
(٤)
ما العمل؟
ليس أمامك سوى أن تسأل:
ما الذي أخفوه عنا؟
ما الذي يهدفون إليه؟
هل ما نحن فيه هو خيارنا؟
بالمناسبة ما يجري على الأفراد
يجري على الجماعات والأحزاب ، وأصحاب السلطة!
هل جميعنا اخترنا مواقفنا بحرية؟
أم نجحنا في تبييض أفكار بدت خيارات لنا؟ بعض التفاصيل مهمة:
* حين نشارك ما هو شائع.
* وحين ننساق وراء تكرار سردية.
* وحين نقف على الحياد المزيف.
* وحين نمنح شرعية للخطاب الأكثر انتشارًا وتكرارًا.
* وحين نتصرف كناقل من دون تمحيص.
فإننا نقوم بعملية: غسيل سرديات، أو تبييض أفكار!
هذا يمنحنا لذة لحظية!
صحيح أن الحياد يساوي بين القامع والمقموع، وصحيح أن الصمت يعطي السردية شرعية.
ولكن:
يجب أن نتخلى عن الصمت ونسأل:
_ أين نحن؟ ما الذي أرادوه لنا؟
_ ما الذي أخفوه عنا؟
_ هل هذا خيارنا أم ما سرّبوه لنا؟
_ هل هذا تبييض أفكار، ومواقف؟
فهمت عليّ جنابك ؟!!
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-06-2025 11:04 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |