حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,24 مايو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 9518

محمد رجب منسيه يكتب: تبليغ الدعاوى القضائية بين النص التشريعي والتطبيق العملي

محمد رجب منسيه يكتب: تبليغ الدعاوى القضائية بين النص التشريعي والتطبيق العملي

محمد رجب منسيه يكتب: تبليغ الدعاوى القضائية بين النص التشريعي والتطبيق العملي

22-05-2025 04:09 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المحامي محمد رجب منسيه
يُعد تبليغ أطراف الدعوى القضائية ركناً أساسياً من أركان الخصومة، ولا تستقيم الإجراءات القضائية إلا بقيام تبليغ صحيح ومنتج لآثاره القانونية، ويرتبط هذا الركن ارتباطاً وثيقاً بمبدأ المواجهة وحق الدفاع المكفولين دستورياً، حيث يشكل ضمانة لعلم الخصوم بالإجراءات المتخذة ضدهم وتمكينهم من إبداء دفوعهم.
ولعل من أكثر التحديات التي تواجه القضاء الأردني بطء إجراءات التبليغ وصعوبة وصول التبليغات إلى المكلّف قانوناً بما فيها؛ مما يؤدي إلى إطالة أمد التقاضي من خلال تأجيل الجلسات و/أو إبطال الإجراءات.
وتشير الإحصاءات القضائية إلى أن نسبة كبيرة من تأخر الفصل في الدعاوى يعود إلى إشكاليات التبليغ، مما يؤثر سلباً على مبدأ العدالة الناجزة الذي يسعى النظام القضائي الأردني لتحقيقه.
تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على الإطار القانوني الحالي للتبليغات القضائية في النظام الأردني، وتحليل الإشكاليات العملية التي تواجهه، واقتراح تعديلات تشريعية تسهم في تجاوز هذه الإشكاليات وتعزيز فعالية نظام التبليغات القضائية.

أولاً: الإطار القانوني الحالي للتبليغ في النظام الأردن
الفرع الأول: تبليغ الشركات والمؤسسات

1. التبليغ بموجب قانون الشركات الأردني:
تنص المادة (284/ب) من قانون الشركات رقم 22 لسنة 1997 وتعديلاته على أن "يجري تبليغ أي كتاب أو قرار أو اشعار صادر عن الوزير أو المراقب وفق هذا القانون ........".
ويلاحظ على هذا النص أنه:
• لم يذكر النص التبليغات القضائية أو التنفيذية، مما يفتح المجال للتأويل والاجتهاد.
• لا يُلزم قانون الشركات، الشركات والمؤسسات بتسجيل بريد إلكتروني معتمد، مما يحد من فعالية التبليغ الإلكتروني.
• لا يتضمن آلية واضحة للتعامل مع حالات تغيير الشركة لعنوانها الفعلي دون تحديث بياناتها في السجل.

2. التبليغ بموجب قانون المحامين النظاميين:
تنص المادة 43 من قانون نقابة المحامين النظاميين الأردنيين رقم 11 لسنة 1972 وتعديلاته على ما يلي:
1. "على أي من الشركات والمؤسسات المبينة أدناه تعيين وكيل أو مستشار قانوني من المحامين المسجلين في سجل المحامين الأساتذة ........."
أوجه القصور في نص المادة 43
رغم أهمية هذا النص في إلزام فئات محددة من الشركات والمؤسسات بتعيين وكيل أو مستشار قانوني، إلا أنه يعاني من قصور واضح فيما يتعلق بإشكالية التبليغات القضائية، وذلك من عدة جوانب:
أ. غياب النص على صلاحيات الوكيل أو المستشار القانوني في تمثيل الشركة في إجراءات التبليغ
لم يتضمن النص الحالي أي إشارة صريحة إلى صلاحيات الوكيل أو المستشار القانوني في تلقي التبليغات القضائية أو الإدارية نيابة عن الشركة. وهذا يفتح المجال أمام الشركات للتذرع بعدم علمها بالدعوى رغم تبليغ وكيلها أو مستشارها القانوني، مما يؤدي إلى:
• إطالة أمد التقاضي من خلال تأجيل الجلسات.
• زيادة العبء على المحاكم من خلال كثرة الطلبات المتعلقة بإعادة التبليغ.
• إهدار الموارد القضائية في محاولات التبليغ المتكررة.
• تعطيل تنفيذ الأحكام في حالات التهرب من التبليغ.
ب. عدم وضوح الأثر القانوني للتبليغ الموجه إلى الوكيل أو المستشار القانوني
لا يُفهم من النص صراحة أن التبليغ إلى الوكيل أو المستشار القانوني يُعد تبليغاً منتجاً لآثاره القانونية، مما يفتح المجال للتأويل والاجتهاد القضائي المتباين. وقد أدى هذا الغموض إلى:
• تضارب في الاجتهادات القضائية حول صحة التبليغ الموجه للوكيل أو المستشار القانوني.
• لجوء بعض الشركات إلى إنكار استلام التبليغ أو الادعاء بأن وكيلها أو مستشارها القانوني غير مخول باستلام التبليغات.
• صعوبة إثبات علم الشركة بالدعوى في حال تم تبليغ وكيلها أو مستشارها القانوني.
ج. عدم ربط النص بقوانين أخرى ذات صلة
لم يتم ربط نص المادة 43 بشكل واضح مع نصوص قانونية أخرى ذات صلة، مثل:
• قانون أصول المحاكمات المدنية فيما يتعلق بإجراءات التبليغ.
• قانون الشركات فيما يتعلق بتحديث بيانات الشركة وعنوانها.
• قانون الأحوال المدنية فيما يتعلق بالعنوان المعتمد للتبلي.
الفرع الثاني: تبليغ الأفراد
1. التبليغ بموجب قانون الأحوال المدنية
عالج قانون الأحوال المدنية رقم 9 لسنة 2001 وتعديلاته في المادة (56) مسألة الإفصاح عن العنوان الدائم، معتبراً أنه معتمد للتبليغات الإدارية والمالية.
إلا أن هذا النص يعاني من قصور واضح يتمثل في:
• عدم الإلزام الصريح بتحديث العنوان عند تغييره.
• عدم شمول وسائط الاتصال الحديثة كرقم الهاتف أو البريد الإلكتروني.
• غياب الجزاءات الرادعة على الامتناع أو التأخر في تحديث العنوان.
• عدم النص صراحة على اعتماد هذا العنوان للتبليغات القضائية.

2. التبليغ بموجب قانون أصول المحاكمات المدنية
يتضمن قانون أصول المحاكمات المدنية رقم 24 لسنة 1988 وتعديلاته إجراءات تفصيلية للتبليغات القضائية، لكنها تعتمد بشكل أساسي على العنوان الفعلي للمطلوب تبليغه، مما يثير صعوبات عملية في حال تغيير العنوان أو عدم الإقامة فيه.
ثانياً: الإشكاليات العملية في تطبيق نظام التبليغات القضائية
تواجه عملية التبليغ القضائي في الأردن عدة إشكاليات عملية، أبرزها:
1. الإشكاليات العامة
• الادعاء المتكرر بعدم التبليغ أو التبليغ على عنوان غير صحيح.
• انتقال الشركات إلى مواقع جديدة دون تعديل سجلها التجاري.
• غياب قاعدة بيانات مركزية وموثقة للأفراد.
• الاعتماد على طرق تبليغ تقليدية في الغالب.
2. الإشكاليات المرتبطة بتطبيق المادة 43 من قانون نقابة المحامين
في الواقع العملي، تظهر عدة إشكاليات مرتبطة بتطبيق نص المادة 43، منها:
أ. تهرب الشركات من التبليغات القضائية
ب. صعوبة إثبات صحة التبليغ
ج. تأخير الفصل في الدعاوى

ثالثاً: الآثار السلبية لضعف نظام التبليغات على العدالة الناجزة
تؤدي الإشكاليات السابقة إلى عدة آثار سلبية على سير العدالة، منها:
1. تأخير الفصل في الدعاوى: حيث تشكل إشكاليات التبليغ سبباً رئيسياً في تأجيل الجلسات وإطالة أمد التقاضي.
2. زيادة العبء على المحاكم: من خلال كثرة الطلبات المتعلقة بإعادة التبليغ أو الطعن في صحته.
3. إهدار الموارد: حيث تستنزف محاولات التبليغ المتكررة موارد الجهاز القضائي.
4. تعطيل تنفيذ الأحكام: خاصة في حالات التهرب من التبليغ بقصد تأخير التنفيذ.

رابعاً: التعديلات التشريعية المقترحة وأثرها على تحسين نظام التقاضي
1. تعديل المادة (284) من قانون الشركات
النص المعدل للمادة 284/ب: "يجري تبليغ أي كتاب أو قرار أو إشعار أو تبليغ قضائي أو تنفيذي إلى الشركة أو المؤسسة على العنوان المثبت في السجل التجاري أو البريد الإلكتروني الرسمي المصرح به، ويُعد هذا التبليغ منتجاً لآثاره القانونية، ولا يجوز الاعتراض عليه أو إبطاله في حال تقاعست الشركة عن تحديث بياناتها في السجل، حتى وإن غيّرت موقعها الفعلي".
النص المعدل للمادة 284/ج: "يُعد كل تبليغ صادر بموجب الفقرة (ب) من هذه المادة قد تم حسب الأصول القانونية، ويترتب عليه كافة الآثار القانونية، ولا يعتد بأي اعتراض يستند إلى تغيير فعلي لم يُسجّل رسمياً."

2. تعديل المادة (56) من قانون الأحوال المدنية
إضافة فقرة جديدة: "يلتزم كل أردني بالإفصاح إلكترونياً عن عنوانه الدائم، ورقم هاتفه، وبريده الإلكتروني (إن توفر)، ويُعد التبليغ المرسل إلى هذه الوسائل منتجاً لآثاره القانونية بما في ذلك التبليغات القضائية والتنفيذية."
إضافة جزاء: "يعاقب كل من يمتنع عن تحديث بياناته خلال ثلاثين يوماً من تاريخ التغيير بغرامة لا تقل عن 200 دينار ولا تزيد على 500 دينار، ويُعد التبليغ على البيانات القديمة منتجاً لآثاره القانونية."

3. تعديلات مقترحة على قانون أصول المحاكمات المدنية

إضافة نص يتعلق بالتبليغ الإلكتروني:
"يجوز إجراء التبليغات القضائية بالوسائل الإلكترونية المعتمدة، ويعتبر التبليغ الإلكتروني منتجاً لآثاره القانونية من تاريخ إرساله إلى العنوان الإلكتروني المسجل لدى الجهات الرسمية."

4. تعديل المادة 43 من قانون نقابة المحامين النظاميين
النص المقترح للتعديل:
إضافة الفقرات التالية إلى نص المادة (43) من القانون
" 1- يعتبر تبليغ الوكيل أو المستشار القانوني المعين وفقاً للفقرة (1) من هذه المادة لأي أوراق أو مذكرات أو مستندات قضائية أو إدارية تبليغاً قانونياً منتجاً لآثاره للشركة أو المؤسسة التي يمثلها، ما لم تكن الشركة أو المؤسسة قد أعلنت رسمياً عن إنهاء وكالته وتم تعديل بياناته في السجلات الرسمية وفقاً للأصول.
2- على الشركات والمؤسسات المذكورة في الفقرة (1) من هذه المادة إبلاغ نقابة المحامين والجهات القضائية والإدارية المختصة بأي تغيير يطرأ على تعيين الوكيل أو المستشار القانوني خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ التغيير.
3- يكون للوكيل أو المستشار القانوني المعين وفقاً لأحكام هذه المادة صلاحية تمثيل الشركة أو المؤسسة في جميع الإجراءات القضائية والإدارية، بما في ذلك استلام التبليغات القضائية والإدارية، ما لم ينص عقد تعيينه صراحة على خلاف ذلك.
4- تلتزم الشركات والمؤسسات المذكورة في الفقرة (1) من هذه المادة بتسجيل بريد إلكتروني رسمي معتمد لدى الجهات المختصة، ويعتبر التبليغ على هذا البريد الإلكتروني تبليغاً قانونياً منتجاً لآثاره."


خاتمة
يواجه القضاء الأردني إشكاليات حقيقية في مسألة التبليغات القضائية، تؤثر سلباً على سرعة الفصل في الدعاوى وتحقيق العدالة الناجزة. ويكمن الحل في تعديل النصوص القائمة لتتواكب مع الواقع التقني والتنظيمي، وتقطع الطريق أمام التحايل على إجراءات التقاضي.
إن التعديلات المقترحة، وخاصة تعديل المادة 43 من قانون نقابة المحامين النظاميين، تمثل خطوة حقيقية نحو تطوير نظام التبليغات القضائية في الأردن.
بقلم الأستاذ المحامي: محمد رجب منسيه











طباعة
  • المشاهدات: 9518
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
22-05-2025 04:09 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة المياه والري بقيادة الوزير المهندس رائد أبو السعود؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم