حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,16 مايو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 10013

ماجد الفاعوري يكتب: "أن تكون أردنياً .. جريمة غير معلنة"

ماجد الفاعوري يكتب: "أن تكون أردنياً .. جريمة غير معلنة"

ماجد الفاعوري يكتب: "أن تكون أردنياً ..  جريمة غير معلنة"

15-05-2025 08:44 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : ماجد الفاعوري
اليكم الحكاية عن هذه الجريمة في زمن باتت الهوية سلعة قابلة للتأويل والتفكيك لم يعد مستغرباً أن يصبح الأردني غريباً في بلاده غريباً إذا ما أعلن عن انتمائه أو تفاخر بأردنيته وكأن الأصل أصبح تهمة والانتماء شبهة في الوقت الذي تتغنى فيه شعوب العالم بهوياتها وتسعى لترسيخ وجودها في كل شبر من أوطانها نجد أن الأردني يُساق قسراً إلى الزاوية يُطلب منه الصمت حين يُعرّف بنفسه يُلام حين يرفع صوته باسم الأردن وكأن ذكر الوطن أصبح أمراً خارج المألوف هنا لا بد أن نتساءل.

لماذا وكيف وصلنا إلى هذه اللحظة من الغربة الداخلية؟
جزء من الإجابة يكمن في التحولات السياسية التي طالت تعريف الهوية الوطنية نفسها ففي كل مرحلة كانت هناك محاولة لإعادة تشكيل الأردني في قوالب تتناسب مع مصالح القوى النافذة تارة باسم العروبة وتارة باسم التحرر وأخرى باسم التوازن الديمغرافي إلى أن أُنهك التعريف ذاته وصار هشاً مشوشاً لا يمسك بجذر ثابت ولا يمتلك سلاحاً دفاعياً أمام التآكل البطيء والمستمر الذي تمارسه منظومات إعلامية وتعليمية مشوهة غابت عنها الرواية الوطنية الجامعة
"الهوية ليست وثيقة سفر بل هي وعي متراكم بالذات في سياق سياسي واجتماعي واضح"
لكن ماذا تبقى من هذا الوعي ؟ إذا اختلطت المرجعيات وتعددت الولاءات وغابت الرواية الجامعة لصالح روايات فرعية بعضها يتغذى على وهم الضحية وبعضها الآخر على أطماع السلطة
إن التيارات الليبرالية العابرة للوطن والرأسمالية الجشعة التي لا تعترف بالحدود ساهمت في تعميق هذه الأزمة فحين يصبح الانتماء للأرباح أقوى من الانتماء للتراب وحين يُنظر إلى الوطن بوصفه فرصة استثمار لا أكثر تبدأ الهوية بالتلاشي قال زيغمونت باومان "في عالم الحداثة السائلة تُصبح الهوية أمتعِة محمولة تُخلع وتُرتدى وفق مقتضى السوق والمزاج" واليوم يشعر الأردني وسط هذه السيولة وكأنه مؤقت على أرضه مؤقت في صوته السياسي واقتصاده وهويته
وتماماً كما في نظرية البجعة السوداء أن تلك الأحداث النادرة التي لم يتوقعها أحد لكنها حين وقعت غيّرت كل المعادلات يمكننا أن نرى تحوّل الهوية الأردنية إلى عبء لا رمز مفاجأة لم تكن محسوبة في الوعي الجمعي لكنها وقعت وكانت نتائجها صادمة إذ تحوّل الأردني من مركز الفكرة الوطنية إلى هامشها ومن مصدر الشرعية إلى مستهدف بالاتهام ومن حارس الأرض إلى مشكوك في دوافعه يقول طالب "البجعات السوداء تحدث حين نعتقد أننا نعرف كل شيء عن العالم ثم يصفعنا حدث غير محسوب ليقول: لا شيء كان ثابتاً" وهذا بالضبط ما حدث مع هوية الأردني التي انهارت فجأة بعد عقود من الهشاشة الصامتة
ولا يمكن تجاهل الدور الكارثي لجماعة الإخوان المسلمين الذين استغلوا القضية الفلسطينية لتحويلها من قضية عدالة وحقوق إلى أداة نفوذ واختراق سياسي داخل الأردن بدل أن تعزز القضية الوعي الجمعي الوطني تم استخدامها كذريعة لتقويض الدولة وتفكيك نسيجها الاجتماعي وقد قال بسام العموش "الإخوان في الأردن ليسوا مشروع إصلاح بل مشروع سلطة بغطاء ديني" وهو توصيف دقيق لدور هذه الجماعة في زعزعة الهوية الوطنية وتحويل الجدل العام إلى معركة نفوذ لا معركة تحرر
لقد أُضعف الدور الأردني في السياسة والإعلام والاقتصاد وأصبح الصوت الأردني الرسمي باهتاً مقارنة بصوت الخطاب الشعبوي المنفلت من أي مسؤولية وطنية أو مشروع جامع
يقول مروان المعشر في كتابه "النهضة الملتبسة" إن "الأردنيين باتوا يشعرون أن لا دور لهم في صناعة القرار وأنهم مجرد كم مهمل في معادلة لا يفهمون شروطها" وهذا الشعور بالإقصاء هو الذي يغذي الغربة الداخلية ويحوّل الهوية إلى حمل ثقيل بدل أن تكون مصدر اعتزاز
أما في الاقتصاد فقد عزف الأردني عن الدخول في عمق الاستثمارات الكبرى تاركاً المجال مفتوحاً لرؤوس أموال خارجية تتحكم بمفاصل الإنتاج والتوزيع وأحياناً حتى في السياسات العامة لا لقصور في الكفاءة بل لغياب بيئة وطنية حاضنة تحمي وتحفز رأس المال الوطني قال فهد الخيطان "نحن نعيش في ظل اقتصاد لا نملكه وسوق لا نديره ومؤسسات لا نمسك بدفتها" وهذه الحقيقة الاقتصادية الصارخة تترجم نفسها في شكل اغتراب داخلي وخوف من الحاضر وفقدان للسيطرة أمام إعلام مأسور بالدعاية والإعلان وأدوات إعلامية بدائية تلهث خلف الإعجابات والمشاهدات بدل أن تحمل همّ الرسالة الوطنية لم يكن هناك من يروي القصة الأردنية على حقيقتها لم يكن هناك من يصدّ الهجمة على الهوية أو يبني وعياً عميقاً بها قال إدوارد سعيد "حين لا تتحكم بسرديتك فإن الآخرين يكتبونك كما يشاؤون" وهذا ما حدث تماماً حين أصبحت صورة الأردني مرهونة بنظرة الآخر لا بروايته الذاتية
وإن غياب المشاريع الاقتصادية الوطنية الكبرى هو غياب لمرآة الإنجاز فحين لا يرى المواطن مصنعاً وطنياً ولا بنكاً أردنياً مستقلاً ولا شركة ريادية تُصدّر الأردن إلى العالم فكيف له أن يشعر بالفخر؟ وكيف له أن يقاتل من أجل هوية باتت تبدو له خاسرة في معادلات السوق والسياسة والإعلام؟ يقول المفكر أنطونيو غرامشي "الهيمنة لا تُمارس بالقوة فقط بل بتطبيع العجز" والعجز هنا ليس عجز الجسد بل عجز الروح عن الحلم والانتماء
والهوية الأردنية لا تحتاج إلى صناعة بقدر ما تحتاج إلى استعادة تحتاج إلى مشروع نهضوي صريح يعترف بها لا بوصفها خياراً سياسياً طارئاً بل باعتبارها حقيقة تاريخية وجغرافية وبشرية لا يمكن إزاحتها أو التفاوض عليها مشروع يعيد الأردني إلى مقدمة المشهد لا متفرجاً عليه يعيد الاقتصاد إلى جذوره الوطنية ويعيد الإعلام إلى رسالته لا إلى حساباته المادية ويعيد للمواطن صوته ومكانته كما قال فاكلاف هافل "الوطن ليس ما نملكه بل ما يستحق أن نموت من أجله"











طباعة
  • المشاهدات: 10013
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
15-05-2025 08:44 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة المياه والري بقيادة الوزير المهندس رائد أبو السعود؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم