14-05-2025 11:00 AM
بقلم : د. خالد السليمي
إن الحملة المنظمة التي تستهدف الأردن قيادةً وشعباً، وتتسلل عبر منصات الإعلام والفضاء الإلكتروني، تؤكد أننا أمام تحدٍ غير تقليدي يتطلب تفكيراً غير تقليدي، لم تعُد الإشاعات تُطلق عبثاً، ولا التحريض عشوائياً، بل هي حملات موجهة تخضع لإدارة محترفة، تسعى لزعزعة الثقة، وضرب الروح الوطنية، والنَيل من استقرار الدولة، من هنا، بات من الضروري تأسيس (خلية وطنية دائمة لإدارة الأزمات الإعلامية والأمنية)، لا كرد فعل، بل كخيار استراتيجي لمواجهة الحروب النفسية التي تتعرض لها الدولة الأردنية بشكل متكرر ومدروس.
إن الردود العفوية التي تظهر من باب الغيرة الوطنية لا تكفي لمواجهة حملات التشكيك المنظمة، التي تستند إلى أدوات تكنولوجية متقدمة، وأساليب نفسية دقيقة تستهدف المواطن الأردني في صميم ثقته ومعتقداته، نحن بحاجة إلى خلية تعمل على مدار الساعة، تضم نخباً أمنية، إعلامية، وسياسية، تمتلك القدرة على الرصد والتحليل، وتوجيه الرسائل الاستباقية، لا الانتظار حتى تقع الأزمة، هذه الخلية يجب أن تملك صلاحيات واضحة، وأدوات مرنة، وقدرة عالية على التأثير الإعلامي والإقناع المجتمعي بلغة العصر وعقلانية الطرح.
إن خلية إدارة الأزمات الإعلامية والأمنية يجب ألا تكون مجرد لجنة تقليدية، بل بنية وطنية مؤسسية، عابرة للمناسبات، وعاملة ضمن نهج وطني شمولي، تضع نصب أعينها الدفاع عن مؤسسات الدولة، رموزها، وقراراتها الاستراتيجية، يجب أن تمتلك الخلية أدوات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي، وآليات التحقق من المعلومات، وإستراتيجية تواصل مرنة ومستمرة تستهدف الداخل والخارج على السواء، وترد على الإشاعات بلغة الأرقام، والوثائق، والمصداقية، فتقود الرأي العام لا أن تلاحقه بردود الفعل المتأخرة أو العاطفية.
إن استمرار اعتمادنا على ما يُعرف بـ "الفزعة" في الرد على الحملات التي تستهدف الدولة، يضعف الرواية الوطنية، ويُسهم في تعزيز التشكيك بدل تفنيده، فالمواطن الأردني اليوم يمتلك الوعي، ويبحث عن المعلومة الصادقة، ويحتاج إلى طمأنة عقلية وعاطفية في آن واحد، والخلية المطلوبة ليست بديلاً عن مؤسسات الإعلام الرسمي، بل داعماً علمياً واستراتيجياً لها، يُغذيها بالمعلومة الموثقة، والرؤية الواضحة، ويمنحها القدرة على التفاعل الذكي مع الأزمات، مما يخلق شبكة أمان وطنية تستبق محاولات العبث بالوعي الأردني.
ما يتعرض له الأردن اليوم من تشكيك وتضليل يتجاوز حدوده، ويمتد إلى مواقفه المشرفة تجاه قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، إن تشكيل (خلية إعلامية أمنية متخصصة)، سيكون درعاً وطنياً صلباً، لا لمجرد الدفاع، بل لصياغة الخطاب الوطني المتزن، القادر على مواجهة الحملات الممنهجة بحرفية عالية، إن دولة بحجم الأردن، ومكانته الإقليمية والدولية، بحاجة إلى خلية تعمل بمنهجية المحترفين، وتحاكي عقل ووجدان المواطن، وتفند الأكاذيب بلغة الواقع، لا بالشعارات أو التبريرات الضعيفة.
في هذا الإطار، لا يمكن أن نغفل أن حملات التشكيك التي تطال الأردن، كثيرٌ منها نابع من مواقفه الثابتة والراسخة في دعم القضية الفلسطينية، ورفضه الواضح لسياسات الإبادة والتهجير بحق أهلنا في غزة والضفة، ومن هنا، نجدد موقفنا الداعم لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ونطالب بوقف العدوان فوراً، وإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة، وبدء جهود إعادة الإعمار بما يليق بكرامة الشعب الفلسطيني وصموده البطولي.
إن القيادة الهاشمية، وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، كانت وما تزال الصوت الأعلى في الدفاع عن فلسطين في المحافل الدولية، والدرع العربي الذي لم يلن أمام الضغوط، ومن هذا المنبر، نثمّن الجهود الأردنية في المطالبة المستمرة بوقف حرب الإبادة على غزة والضفة، وندعو إلى تصعيد العمل السياسي والدبلوماسي والإنساني لإغاثة المنكوبين، وضمان إدخال المساعدات دون شروط، والبدء بإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب، بما يعيد الأمل والحياة لشعب لا يزال يقاوم رغم الجراح.
وفي الختام:
إن أمن الأردن واستقراره ليسا ملفاً هامشياً بل ضرورة وطنية وقومية، تحتم علينا أن نؤسس لثقافة مؤسسية لمواجهة الأزمات، وعلى رأسها خلية إدارة أزمات إعلامية وأمنية قادرة على حماية الوطن، وصيانة وحدته الداخلية، وتعزيز مناعته السيادية في وجه كل من تسوّل له نفسه المساس بالأردن وقيادته ومواقفه المشرفة.
حفظ الله المملكة الأردنية الهاشمية، وأدام عليها نعمة الأمن والاستقرار، وسدد خطى قائدها، جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله ورعاه، وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، درعاً وحامياً لهذا الوطن العزيز، وسنداً ثابتاً للقضية الفلسطينية العادلة، ومناصراً للحق، وراعياً لكل جهد يُبقي الأردن عالياً شامخاً، صامداً في وجه التحديات، وقوياً في مواقفه النبيلة التي ستبقى منارة في زمن عزّ فيه الرجال.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-05-2025 11:00 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |