08-05-2025 09:43 AM
بقلم : المحامي سند المحاسنة
شهدت الدولة الأردنية خلال العقود الماضية علاقة معقدة مع جماعة الإخوان المسلمين، تميزت بالتقلب بين الاحتواء والمواجهة، لكنها وصلت إلى مفترق حاسم في أبريل 2025 حين أعلنت الحكومة حظر الجماعة رسميًا ومصادرة ممتلكاتها، في خطوة غير مسبوقة منذ تأسيسها في أربعينيات القرن الماضي. ورغم أن القرار جاء في سياق أمني وسيادي، إلا أن صداه لم يكن أمنيًا فقط، بل فتح المجال واسعًا لإعادة تقييم بنية الوعي السياسي في الشارع الأردني، خصوصًا بين فئة الشباب التي كانت تقليديًا هدفًا رئيسًا لخطاب الجماعة ومنابرها.
إن قرار الدولة، الذي جاء بعد الكشف عن خلية مرتبطة بالتنظيم كانت تعدّ لأعمال تستهدف أمن المملكة، لم يكن مجرد ردّ أمني ظرفي، بل كان تعبيرًا عن نضج سياسي واستراتيجي للدولة في إدارة شؤونها الداخلية، حيث بدأت الدولة تفكك تدريجيًا علاقاتها مع الأجسام الموازية التي ظلت تعمل خارج منطق الدولة لعقود. فالمشهد الذي تلا الحظر لم يشهد أي اضطراب داخلي، ولا حراك شعبي واسع دفاعًا عن الجماعة، كما كانت تتوهم أو تروّج بعض الأطراف؛ بل على العكس، بدا واضحًا أن المزاج العام يتّجه نحو دعم القرار ومباركته، في تعبير عن شعور عام بالحاجة إلى بيئة سياسية أكثر نقاءً، خالية من التوجيه الأيديولوجي المتطرف.
لقد تجلى تحول مهم في الوعي السياسي للمواطن الأردني، الذي أصبح أكثر قدرة على التفريق بين الدين كمكوّن للهوية الوطنية، وبين الجماعات التي تتخذ من الدين غطاءً لأجندات سياسية بعيدة عن مصلحة الوطن. هذا التحول جاء نتيجة لتجارب مريرة مع التنظيمات الأيديولوجية في المنطقة، بما فيها جماعة الإخوان، حيث أصبح هناك إدراك شعبي متزايد لأهمية الأمن والاستقرار السياسي على حساب الشعارات المؤدلجة.
القرار لم يكن موجهًا ضد الدين أو المؤسسات الدعوية كما قد يروّج البعض، بل كان خطوة ضمن استراتيجية ضبط المشهد العام، وتأكيد أولوية الدولة في رسم حدود السياسة وتنظيمها عبر مؤسساتها الشرعية والقانونية. بذلك، فإن الدولة الأردنية تثبت مجددًا قدرتها على مواجهة التحديات، في الوقت الذي تتجه فيه نحو تعزيز المسار الإصلاحي القائم على الشفافية والانفتاح، بما يضمن بيئة سياسية ناضجة تسهم في تقدم البلاد وازدهارها.
إن قرار حظر جماعة الإخوان في الأردن يمثل نقطة تحول محورية في العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويكشف عن تحول جوهري في الوعي السياسي للأردنيين، حيث أصبح المواطن الأردني أكثر وعيًا بأهمية بناء دولة مؤسساتية وقانونية تعتمد على النظام والعدالة، وتتحلى بالثبات السياسي الذي لا يتأثر بالأيديولوجيات العابرة للحدود. هذا القرار يعكس الرؤية الحكيمة للدولة الأردنية، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي دائمًا ما يضع مصلحة الأردن العليا في أولوياته. كما أن هذا القرار يعكس قوة إرادة القيادة السياسية في الحفاظ على سيادة الدولة واستقلالها، ويعزز النهج الوطني الذي يسعى لبناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا، قائم على قيم العدالة والمساواة، بعيدًا عن أي تأثيرات خارجية أو محاولات لزعزعة الاستقرار السياسي.
سند المحاسنة
الأردن - ايار 2025
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-05-2025 09:43 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |