07-05-2025 09:48 AM
بقلم : تمارا خزوز
أتساءل أحيانًا: ماذا نحتاج لبناء نواة مشروع وطني ناجح، بعيدًا عن البعد السياسي للفكرة؟ هل نحتاج مشروعًا نُجذّر فيه الوجدان الجمعي المشترك، على مستوى العاطفة والذاكرة والانتماء، ونعزز ثقافة تحترم التنوع، ونصوغ هوية وطنية حيّة، من الناس وإليهم؟
للأمانة، راودني هذا التساؤل وأنا أستمعُ بالصدفة إلى أغنية جميلة للفنان عمر العبداللات: ‘صباح الورد يا عمّان… صباح الخير يا أردن’. ورغم بساطة كلماتها، أعادتني إلى لحظات ملتصقة بالوجدان، بمفرداتها التي تستحضر موروثاتنا في الريف والمدينة والبادية، وتعكس ملامح الإنسان الأردني وبيئته؛ حين يغني العبداللات للأم والأب، والعسكر والطلاب والعائلة، وللعشق والغربة، ويستحضر الزعتر والسرو والتنور، في لحن يتجاوز الطابع المحلي.
وطالما كان هذا الموروث غير المادي، في الحفظ والصون على المستوى الشعبي، من قبل المجتمعات المحلية، حتى على المستوى الفردي. ويكفي أن نضرب أمثلة على هذه الحالة من محافظات ومدن المملكة، كالسلط والفحيص ومعان وغيرها، لكن أبرزها موجود في مدينة الفحيص، التي تحتضن كنزًا من الموروث الغنائي الشعبي، وقد كان لفرقة الفحيص والفنان صخر حتر دورٌ بارز في إحيائه وتقديمه بصيغته الأصيلة.
للأسف، على المستوى الرسمي، ما يزال هناك تقصير في مسألة حفظ التراث غير المادي، باعتباره أحد الركائز التي تحافظ على الأصالة، وتُحيي الهوية الوطنية، وتُسهم في بناء وجدان جمعي مشترك. من خلال هذا التراث، تحضر الأغنية، والحكاية، والطقوس الشعبية كأشكال حية تُعبّر عن المجتمع وتحفظ ذاكرته.
هذا التراث، بما يحمله من موسيقا، وحكايات، وطقوس شعبية، وصناعات غذائية وخزفية وغيرها، هو ما تملكه المجتمعات المحلية لتكون شريكًا فاعلًا في مشروع وطني يُعيد وصل الناس بهويتهم. وهي، من خلال أصالتها واحتفاظها بالتراث، قادرة على بثّ الحياة في هذا المشروع، وصياغته بصورة حداثية قابلة للتشكيل والتطوير، دون أن تفقد جذورها. بل يمكن أن يكون مدخلًا لتعزيز الاندماج الاجتماعي، وتشكيل هوية المكان، إلى جانب دعم السياحة، وخلق فرص عمل، وتحفيز الاستثمار المحلي.
هذا التقصير في إدارة التراث غير المادي أو إحيائه، ترك أثرًا واضحًا على الوجدان الفردي والجمعي للمواطن الأردني. وتحول بفعل عوامل متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية، إلى نمط حياة آلي يفتقر للحظات إنسانية ووجدانية، فاقم ذلك تمدّد العمران على حساب الطبيعة، وتحوّل المدن إلى كتل إسمنتية.
الحاصل، أننا خضنا كثيرًا في «التحديث والتسييس»، على حساب التنوير والتعليم، والتراث والثقافة والإبداع. وقد يكون المدخل الحقيقي لنجاح المشاريع الوطنية الكبرى هو الالتفات إلى تلك المشاريع التي تُعنى ببناء الإنسان، وتربطه بجذوره وتُعيد وصله بهويته، لتكون الأساس الذي يُبنى عليه كل شيء آخر!
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
07-05-2025 09:48 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |