حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,6 يونيو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 558

غزاي درع الطائي: الشعر أكبر من شكله وأوسع من مضمونه وأعمق من موسيقاه

غزاي درع الطائي: الشعر أكبر من شكله وأوسع من مضمونه وأعمق من موسيقاه

غزاي درع الطائي: الشعر أكبر من شكله وأوسع من مضمونه وأعمق من موسيقاه

08-12-2020 09:55 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - «الشعر، بكل مدارسه واتجاهاته وتياراته وأشكاله، قديمه هو رسالة خير بين الشعوب، ووسيلة حوار مطلوبة بين الثقافات.. إنَّه تجديد للغة وتطوير لها واكتشاف مناطقها التي لم يتم لحد الآن اكتشافها..»، ذلك ما يذهب إليه الشاعر العراقي غزاي درع الطائي، الذي أصدر حديثا، عن دار الينابيع للطباعة والنشر والتوزيع، كتابا شعريا جديد للشاعر عنوانه (ملحُ العراقِ أمانةٌ في زادي).
الطائي نفسه كان أصدر عددا من الكتب الشعرية، منها: (سلسلة من ذهب)، دار ضفاف للطباعة والنشر (الشارقة ـــ بغداد)، 2014، و(خبز عراقي ساخن)، مؤسسة شمس للنشر والإعلام، القاهرة، 2016، و(وقت من رمل)، دار الينابيع، دمشق، 2017، وفي مجال النقد صدر له عام 2019 كتابه الموسوم (مظفر النواب شاعر الصبر العراقي الجميل، دراسة في الإيقاع ـــ أنماطه ودلالاته ـــ في شعر مظفر النواب).
في الحوار الآتي يضيء جانبها من التجربة الإبداعية للطائي:

* للبدايات روائحها التي تظل ملازمة المبدع وإن تشعبت أزمنته وأمكنته، فماذا عن بداياتك الشعرية؟
ـــــ ولدت في عام 1951م في قرية العكر التي تبعد بمسافة عشرين كيلومترا عن بعقوبة بمحافظة ديالى/ العراق، حيث الأشجار والأنهار والأزهار والعصافير والحمام والدُّرّاج، وحيث المضائف والأعمام والأخوال والضيوف المتعاقبون. بدأت بالاهتمام بالقراءة والكتابة وبالأدب بشكل عام وبالشعر بشكل خاص منذ فترة الدراسة المتوسطة، ففي تلك الفترة كنت غاويا لقراءة الكتب والصحف والمجلات، وقد كان لمدرسي في مرحلة الدراسة الإعدادية الدكتور (حاليا) السيد عبد الحليم المدني الفضل في توجيهي وفي الأخذ بيدي في دروب القراءة والكتابة، وكانت أول قصيدة منشورة لي هي قصيدة (مطالعات في عودة سعيد بن جبير) وقد نشرتها جريدة الثورة التي كانت تصدر في ذلك الوقت في شباط 1973، وفي مرحلة الدراسة الجامعية كنت أشارك بشكل مستمر في المهرجانات الشعرية التي كانت تقام في الكلية وفي الجامعة، وكانت تلك الفترة ثرية بالشعراء الموهوبين من أمثال خزعل الماجدي ورعد عبدالقادر ومرشد الزبيدي وساجدة الموسوي وصاحب الشاهر وريسان الخزعلي وفاضل عزيز فرمان وغيرهم، وقد شاركت مع الشاعرين خزعل الماجدي وعبد الحسين صنكور بكتابة (دعوة لكتابة القصيدة اليومية)، التي عُدَّت فيما بعد (بيان الجيل السبعيني في العراق)، وقد نشرت تلك الدعوة مجلة الكلمة في عددها الخامس، أيلول، 1973م.

* على صعيد المضمون جاءت قصائد الديوان مجسدة تعايشا مع الواقع من جهة، وانعكاسا للأثر ذلك الواقع على ذاتك الشاعرة من جهة أخرى، وكأنك تقول إن القصيدة الأكثر بلاغة هي الأكثر تأثرا بالواقع والأكثر تأثيرا فيه، فما مدى صحة هذا الطرح؟
ـــــ ليس عيبا أن يعبر المبدع عن الواقع، ففهم الواقع واكتشاف مدارج الرقي والصعود فيه، مهمة جديرة بالتبنّي، ولكن مجافاة الواقع وإدارة الظهر له هو العيب الذي يجب تجنُّبُه، والتمرد على الواقع لا يغير الواقع ولا يدفع به نحو آفاق مشرقة ولا يقود الأوراد إلى التورد. وتغيير الواقع بحاجة إلى السمو في مواقع الإبداع والقوة والعمل الخلاق، وسواء أكنتَ مؤتلفا مع الواقع أم كنتَ مختلفا معه، عليك أن تنطلق منه لتصنع الواقع الذي تحلم به، إذ لا يمكن الانطلاق من الفراغ، وإذا كنتَ مصرا على الانطلاق من الفراغ فانك لن تصل إلا إلى الفراغ، لأنكَ ببساطة ستبقى في المكان الذي (انطلقتَ) منه، ولن تبرحه، وإذا رأيت السماء وقد اكفهرت وادلهمت بالغيوم، لا تنشغل بالعتمة التي سببتها تلك الغيوم ولا بالرياح التي جاءت معها، وفكِّر بالبروق والرعود التي ستنبثق عن تلك الغيوم، وبالأمطار التي ستنهمر بعد البروق والرعود، وبالزروع التي ستشرئب أعناقها تحت ضوء الشمس، بعد انهمار الأمطار.

* على صعيد الشكل تضمن الديوان قصائد عمودية، وقصائد من شعر التفعيلة، وأخرى من قصيدة نثر، ترى ما المغزى الذي يكمن خلف هذا (التآخي) بين أشكال القصيدة كافة، في الديوان؟
ـــــ أنا أبحث عن الشعر، لا عن شكل الشعر، ولا أحكم على الشعر باعتباره شكلا أو استنادا إلى شكله، فالشعر ليس عنوانا فقط أو هيكلا وحسب أو قامة لا غير، الشعر أكبر من شكله وأوسع من مضمونه وأعمق من موسيقاه، وأكثر ارتفاعا من أي مكوِّن مفترض من مكوِّناته، الشعر لا يمكن تقطيعه مثل ذبيحة، أو فصل أجزائه مثل محرك سيارة، أو تقسيمه إلى رأس وجذع وأطراف مثل جسم الإنسان، الشعر كلٌّ متكامل ومتآلف ومجموع ومشترك ومشتبك ومتداخل ومتمازج، ولا مجال فيه للتقطيع أو الفصل أو التقسيم، ولنا في الماء مثل، فالماء متكون من الأوكسجين والهيدروجين، ولكننا لا نرى الأوكسجين ولا نرى الهيدروجين بل نرى الماء، والماء هو غير الأوكسجين وغير الهيدروجين.
إن الشعر، بكل مدارسه واتجاهاته وتياراته وأشكاله، قديمه ووسيطه وحديثه، هو رسالة خير ينقلها الشرق إلى الغرب والغرب إلى الشرق، والشمال إلى الجنوب والجنوب إلى الشمال، ووسيلة حوار ممكنة بل ومطلوبة بين الثقافات من أقصى المعمورة إلى أقصاها، إنَّه تجديد للغة وتطوير لها واكتشاف مناطقها التي لم يتم لحد الآن اكتشافها وخدمة لها لا يمكن إنكارها وعشق لها ليس له حدود.

* ترى كيف تنظر إلى راهن نقدي في الوطن العربي، بخاصة على الصعيد الشعري؟
ـــــ هناك من يعلن اليوم موت النقد العربي أو يروج لهذا الموت المزعوم، وأنا بالرغم من كل شيء أقول : لا بد للنقد العربي من أن يتخلص من تعلقه بذيول المدارس النقدية الغربية، وأن يعمل على استخلاص مناهج عربية أصيلة نابعة من روح الأدب العربي ومن الواقع الثقافي العربي وخصائصه وحيثياته، مع عدم نسيان التواصل والتلاقح مع الآداب العالمية الفاعلة، وعليه أن لا يهرب من الغوص في متون النصوص استكشافا وتحليلا ونظرا، ويمضي لاهثا وراء المهمات التنظيرية، تاركا ساحة النقد التطبيقية فارغة إلا من نقاد كسالى يكتبون مقالات سريعة فيها من المجاملة أضعاف ما فيها من آراء نقدية علمية مستندة إلى الأصول والمقاييس والمبادئ، ومن الواضح أننا في خضم من المناهج النقدية بنوعيها السياقية والنسقية، وفي كم هائل من المصطلحات النقدية، التي هي بأمس الحاجة إلى الغربلة والتحديد، وبالرغم من كل ما تقدم لا يمكن أن أنسى أو أتناسى الدور النقدي الخلاق الذي تلعبه ثلة من النقاد العرب، الذين يتقدمون الصفوف ويعملون من أجل إضاءة ليالي النقد العربي بمصابيح كاشفة عالية الجودة، ويمكن أن أسميهم بنجوم النقد العربي، هذا كله في جانب، وفي الجانب الآخر أرى أن النقد الأكاديمي يقوم اليوم بدور فاعل في تقديم دراسات نقدية ناضجة، سواء على المستوى العام، أو على المستوى الخاص أعني مجال الرسائل والأطاريح، ولقد استطاع هذا النقد من أن يتخلص من الكثير من القيود الصارمة التي كانت تحيط به وتمنعه من متابعة حركة النشاط الأدبي، وتمكَّن من تحقيق تفاعل مفيد مع الإنتاج الأدبي وتحقيق مسايرة ناجحة لهذا الإنتاج، والأمل في ساحة النقد العربي اليوم معقود على جهود النقاد الأكاديميين وجهود نجوم النقد العربي، في كلا الجانبين التنظيري والتطبيقي، علما أن كل ما مر من كلام حول النقد العربي ينطبق على الصعيد الشعري وفي الوقت نفسه ينطبق على الواقع الأدبي بعموميته.

* لم تزل اللغة العنصر الرئيس للتجربة الأدبية، بخاصة في الحالة العربية، ماذا تعني اللغة للشاعر غزاي درع الطائي؟
ـــــ من غير اللغة لا يستطيع الشاعر أن يفعل شيئا، فعبرها يخلق الصور ويحرِّر الأفكار ويحلِّق في الأحلام ويسيح في الخيال وينثر العواطف، ويبني ويزرع ويتأمل ويحب، الشعر حركة واللغة كذلك ولذلك يتعانقان كصديقين عزيزين ومتوافقين حدَّ التطابق، ولكن: من أين يستمد الشاعر لغته؟ أيستمدها من قراءاته؟ أم من الحياة؟ أمن من كليهما؟ أم من شيء غير هذا وغير ذاك؟
إن لكل شاعر لغته، والكثير من الشعراء يستمدون لغتهم من قراءاتهم، ويستطيع القارئ بقليل من الفطنة أن يعرف أن الشاعر (س) يستمد لغته من الشعر الجاهلي وما حوله، وأن الشاعر (ص) يستمد لغته من الشعر الصوفي وما وراءه، وأن الشاعر (ع) يستمد لغته من الشعر الأوربي المعاصر، وإلى جانب هؤلاء جميعا نجد ذلك الشاعر الذي يختلف في لغته عن كل ما عداه، فله بحره الخاص الذي يغترف منه وله صخرته الخاصة التي ينحت فيها، وله طريقه الإبداعي المتفرد، وذلك هو الإبداع وليس غيره.
لقد استطاع الشعر، بجدارة، أن يكون جزءا من التاريخ العام للغة العربية، وليس المقصود بالطبع هنا الأبيات الشعرية التي اتخذ منها النحويون شواهد شعرية ولا الغريب من المفردات التي استخدمها الشعراء ولا آلاف الكلمات التي ولَّدها الشعراء أو اشتقّوها وأضافوها إلى القاموس اللغوي، بل كل ذلك معا وإضافة إليه حِرْص الشعراء العالي على حفظ اللغة العربية بأبهى صورة لها وإظهارها على أرقى مستوى مشرِّف واحترام هيبتها وإشراقها وحسن رونقها .








طباعة
  • المشاهدات: 558

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم