بقلم :
إن الاهتمام الذي تبديه الدول إزاء التراث الثقافي غير المادي لا يمكن إلا أن يبعث الفرح والطمأنينة في قلوب جميع الذين تشغلهم مسألة وهن هذا التراث، كونه الدال الرئيسي على عراقة الشعوب وترسيخ جذورهم في أوطانهم الأصلية. فكان لابد من تأطير هذا المشروع الهام ضمن اتفاقية تصادق عليها جميع الدول لتأكيد أحقية كل شعب بتراث تراب أوطانهم. ونظراً لما يتعرض له التراث غير المادي لأخطار التدهور الزوال والتدمير، وذلك بسبب قلة الموارد اللازمة لصون هذا التراث.
فقد تم العمل على ايجاد اتفاقية ذات طابع دولي وملزمة تهدف إلى صون التقاليد وأشكال التعبير الشفهي وفنون المشاهدة والممارسات الاجتماعية، والطقوس والتظاهرات الاحتفالية والمهارات المرتبطة بالصناعات الحرفية التقليدية،فضلاً عن المعارف المتعلقة بالطبيعة والكون والتي تتناقلها الجماعات والمجموعات والأفراد من جيل إلى آخر وتعتبر كجزء لا يتجزأ من التراث الثقافي .
ومن بين الإجراءات التي تنص عليها الاتفاقية يمكن ذكر قوائم الحصر الوطنية المحدَّثة بانتظام، وقائمتين تحديداً: القائمة التي تمثل التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، وقائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يستدعي أعمال صون ملحَّة . وتشير المادة الخامسة عشر من اتفاقية التراث الثقافي غير المادي الى " ضمان أوسع مشاركة ممكنة للجماعات والمجموعات وأحيانا الافراد الذين يبدعون هذا التراث ويحافظون عليه وينقلونه وضمان اشراكهم بنشاط في إدارته "، اذ يُعنى من ذلك أن العمل على تنفيذ كامل تفاصيل الاتفاقية بالتعاون ضمن مفهوم التشاركية مع مؤسسات المجتمع المدني كونها الأقرب الى كافة الشرائح المجتمعية. مما يدعنا أن نولي مسألة الحفاظ على هذا التراث أهمية بالغة التي لن تكتمل الا بايجاد وتفعيل مبدأ الشراكة بين الجهات الرسمية التي تشرف على ادارة هذا التراث في الدولة - ان وجدت - وبين مؤسسات المجتمع المدني والافراد المهتمون، وذلك من خلال العمل من أجل ضمان الاعتراف بالتراث الثقافي غير المادي واحترامه والنهوض به في المجتمع عن طريق تنفيذ برامج تثقيفية للتوعية موجهة للجمهور ونشر المعلومات ، بالاضافة الى برامج تعليمية وتدريبية محددة ضمن اطار مؤسسي وتعزيز انشطة التثقيف من أجل حماية الاماكن الطبيعية وأماكن الذاكرة الوطنية التي يعتبر وجودها ضرورة ملحة للتعبير عن التراث الثقافي غير المادي.
ولذلك لا بد لنا أن نؤكد على أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني في حماية التراث الحضاري والثقافي للدولة حفاظاً على الهوية الوطنية وتجذير كينونتها، اذ أن إنشاء قاعدة بيانات لمنظمات المجتمع المدني التي تعنى بالتراث على المستوى الوطني وتحديثها باستمرار لتعود بالفائدة المرجوة التي تؤدي في النهاية لتحقيق الأهداف على المستوى الوطني والاقليمي والدولي. وتشجيعها من خلال تمويلها لإعداد الدراسات والبحوث وإقامة المؤتمرات والندوات والمعارض الهادفة لتعزيز العمل على احياء التراث والحفاظ عليه.