11-04-2010 04:00 PM
ميساء قرعان واحسرتاه متى أنام فأحس أن على الوسادة من ليلك الصيفي طلا فيه من عطرك يا عراق ؟» حين يأتي التاسع من نيسان أو ما سمي بليلة سقوط بغداد بإخراجها الأميريكي أستذكر وليس لدينا سوى الاستذكار ليل العراق، نخيل العراق وسحرها، فقد كانت زيارتي لها قبيل حرب الخليج الأولى وكنت أحتضن طفلي الأول الذي لم يترك شارعا من شوارعها إلا وبكى فيه وكأنه يشعر بأن شيئا أو أشياء كثيرة تأخذني منه إليها أو أنه كانت لديه نبوءات خاصة تتشابه مع نبوءات السياب لمستقبل العراق قبيل تخريبه بعقود، وحين كان يزداد صراخه إلى درجة أشعر فيها بالضجر كنت ألقي به في حضن أمي لترضعه في أي زاوية بدلا مني لأنها حينها كانت مرضعة فأواصل حواري الصامت مع شارع أبو نواس ومع دجلة والفرات وشارع الرشيد، ففي كل بقعة من بقاع بغداد حضارة ناطقة ، وفي كل بقعة من بقاع قراها سحر عريق، أما الظلام فيها فهو ما يبعث النور في القلب والوجدان، ظلام تنيره أشجار نخيل يختبئ ورائها القمر على استحياء، حين يحل الظلام وينام أهل البيت كنت أذهب لسطح المنزل لأحاور النخيل لساعات، فهناك كما قال السياب الظلام أجمل لأنه يحتضن العراق، ظلام لا يحرك بي الخوف الذي اعتدته بل يغريني بالبقاء حتى ساعات الصباح الأولى، ولم أكن أخشى»الحرامي» الذي حاولوا تخويفي منه رغبة في إقناعي بالنوم ، فأمام هذه القامات التي تنعش الروح «ساعة السحر» وتكاد تعانق غيوم آذار تتقزم كل الأشياء وتفقد ما قد تثيره من مشاعر الرهبة . كنت ضيفة على مغتربين ليسوا مغتربين هم أهلي، ولم أشعر للحظة بأنني خارج وطني ، ووجدتني هناك ، وكنت أشعر بأن جذور أشجار النخيل تضرب في كل بقعة من بقاع الوطن الأكبر . ليل العراق كان أجمل، ففيه سكون وسكينة ونكهة ذات مذاق خاص، ومساحات شاسعة تجد متسعا لها في شغاف القلب. حينما انتهت لزيارة كنت قد أعددت عدتي على أمل بأن أكررها لولا الخراب الذي حل بالعراق، ولولا ظهور الحرامي أو مجموعة «الحرامية» الحقيقيين الذين حاولوا بقدر استطاعتهم أن يسحقوا هذا البلد بجماله وحضارته وقوته بكل أشكالها، لولاهم لكنت عدت لأنهل ولا أرتوي من مشارب حضارة بلد بتلك العراقة، أما وقد حل بهذا البلد ما حل من عبث ودمار فليس لنا سوى أن نستذكر ونستجيب لما أورده السياب شاعر العراق ومتنبئ أحوالها السياسية «لتبكينّ على العراق فما لديك سوى الدموع» *العنوان سطور الشعر المتقدمة من قصيدة «غريب» لبدر شاكر السياب maisa_rose@yahoo.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
11-04-2010 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |