حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,28 يونيو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 20295

غربتان .. في مرور عام على رحيل والدي

غربتان .. في مرور عام على رحيل والدي

 غربتان  .. في مرور عام على رحيل والدي

17-02-2010 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

ما اقصر المسافات في هذا الزمان... فاليوم نطوى المسافات ونجتاز الحدود ونعبر والدول والقارات ونمخر عباب البحور والمحيطات.. فغربة المسافات والمكان أصبحت ماضيا,, فالمسافات اليوم لم تعد حاجزا وحائلا يحول بيننا وبين المكان أو بين من نحب فتذكرة طائرة وكفيلة بان تكون في المكان الذي تريد خلال ساعات قليلة وتلتقي بمن تحب ما أسهلها من رحلة ؟ أما غربة الزمان وآه من غربة الزمان..فكلما مر عام عليك وأنت في نفس المكان غربك أكثر في المكان وأبعدك أكثر وصعب المسالة أكثر لتصل لليوم الذي يصبح فيه المستحيل القفز من زماننا إلى الوراء إلى زمان مضى إلى زمان نحُن إليه وننتمي إليه والى ناسه وشوارعه نشتاق إلى هوائه وترابه نحُن إلى صيفه وشتائه وربيعه ..؟ كيف نقطع الزمان ونعود فيه إلى الوراء ربع قرن أريد أن أعود إلى مسقط راسي اربد (البارحة) إلى وطني قبل ربع قرن لا أكثر؟ لا اطلب المزيد؟ لأشاهد وجه الوطن في ذلك الزمان لأشم رائحة التراب بعد أول شتوة بعد أن تشرب ذراته قطرات السماء بعد طول صيف وانتظار؟ أريد أن اشتري ربع كاز بأربعين قرش وكيلو خبز بأربع قروش ونصف وأعود إلى منزلي واحضن الصوبة وأتعشى خبزا مقحمشا على صوبة الفوجيكا مع زيت وزعتر انأ وإخوتي التسعة واحلي بكاسة شاي سكر زيادة ؟ وأنام في التاسعة والنصف بعد أخبار الثامنة ومسلسل الثامنة والنصف , لأصحو في السادسة لأشرب شايا بالميرمية وكسرة خبز مع شقفة جبنة بلدية اطحنها وإنا البس البنطلون اليتيم الذي املكه وأسطو على جرابات والدي وانتعل حذائي الذي اشتريته من البالة وأمشط شعري واشد رحالي لاقف باب دكانة أبو عدنان ما أجمل ذلك الصباح ؟ اقرأ الجريدة مجانا وأشاهد الصبايا على الرصيف الآخر من الشارع وهن يتسرسبن إلى المدرسة مثنى وثلاث ورباع كما تسرسبت سنين عمري في لاشيء ؟ لا اقترب,,, لا اعلق لا أتحدث فقط أشاهد بصمت ؟ كما هو حال رفاقي الذين يأتون إلى باب الدكان كل صباح ؟ الرصيف الآخر محرم ,, ممنوع الاقتراب من جهة الشارع الذي تسير فيه الصبايا لا احد يجرؤ على الاقتراب ؟ ولا الصبايا يمشين من جهة رصيفنا ؟ تشتري الصبايا من دكان أبو خالد ولا يقترب أيا منا من باب الدكان قبل أن يرتحلن الصبايا من دكانه ؟ من وضع هذه القوانين الدقيقة من ألزمنا بها لا زلت اسأل نفسي إلى اليوم ؟ تنتهي فترة الدكان ونهرع إلى المدرسة ؟ لا أتفحص هندامي قبل الدخول لم اقلق يوما بشان ما ارتدي فليس عندي سوى بنطال يتيم وبلوزتان من البالة وأتبادل مع أخي الملابس وحتى مع أبناء الجيران ؟ ولماذا اقلق فلم يكن على أيامنا للباس أهمية ولا شان ؟ الكل متساوون في الفقر الجميل والرضا الأجمل لم نكن نعرف الفقر أصلا ؟ وما عرفناه يوما ؟ كنا أغنى الناس؟ وكانت تلك هي حياتنا وطبيعة الأشياء ؟ لم نعرف الفقر إلا يوم أصبح المال كثيرا وملكنا كل شيء لان كل شيء صار رخيصا؟ لعنة الله على الاسمنت والستلايت والانترنت ولعنة الله على هذا الزمان الزفت ؟ كنا نقف في ساحة المدرسة ونسمع القران من الإذاعة المدرسية ويرفع العلم وننشد خافق بالمعالي والذرى عربي الظلال والسنا ونؤدي للعلم ألف تحية فقد كان يومها ما زال عرب وظلال وسناء؟ واليوم لم يبق عربٌ ولا سنا ولا ظلال لم يبق منا سوى الأطلال؟ ندلف إلى الصفوف والصوت يعلو والضجيج يهز الجدران من الصبا والعنفوان. وحين يدخل الأستاذ يخيم الصمت ونقف له باحترام ,, قيام ,, قيام. فيحينا ويقول جلوس بكل أدب واطمئنان أين منا ذاك الزمان ؟ الكل يأكل سندويش الفلافل بمتعة ؟ الشاورما كانت غريبة وكانت رفاهية أسبوعية لمن بمقدوره لم يكن ماكدونالدز والبيتزا هت والكنتاكي والصب وي وغيرها قد غزتنا وأغرقتنا وأعمتنا حتى نسينا آذان الشايب والمجدرة والرشوف؟ كنا نعيش يومنا مرحا ولعبا نجوب الشوارع والحواري فلا نمد يدا ولا نؤذي إنسان ؟ فالكل معروف من أبوه ولم يكن مخفر الشرطة في حينا يعمل فأغلقوه ؟ صدقوني أنهم أغلقوه ؟ وكم مخفر نحتاج الآن؟ آه على ذاك الزمان يوم كانت الرحمة ما زالت تعم إرجاء الوطن والمحبة تغشى وجهه الجميل يوم كان الناس ما زالوا بشرا وليسوا آلات تعمل لدفع الإيجار وثمن جرة الغاز واشتراك الجزيرة والاوربت وفاتورة الموبايل واقتناء اللاب توب وفاتورة الانترنت ؟ فقط ربع قرن إلى الوراء لا أكثر لاسترجع مذاق اللحمة والدجاج كم كان لذيذا كنا ننتظر يوم الجمعة لنستمتع بأكل اللحمة أو الدجاج ؟ وكم كان يوم الجمعة مختلفا كان يوما بهيجا سعيدا أكثر من بقية الأيام ؟ اليوم صارت الأيام كلها أيام لا فرق بينها , والشهور تمر كالأحلام والسنين تهرب منا ولا تنظر إلى الوراء ؟ كانت أخبار الثامنة على تلفزيون عمان موعد مهم وذا شان وكانت أخبار التي يبثها تلفزيون الكيان الصهيوني الساعة السابعة والنصف من كل مساء هي النافذة الثانية على العالم وكانت إذاعة لندن ومونتي كارلو أهم محطات الإذاعة وصوت العرب من القاهرة وإذاعة العدو ؟ نعم لم يكن هناك 350 فضائحية كما الآن ولكننا كنا نعرف أخبار العالم فقد كنا نعرف أخبار حرب لبنان وأخبار الحرب الأهلية والانقلاب العسكري في الأرجنتين وكنا نعرف عيدي أمين ونعرف لماذا اغتالوا السادات ونعرف اتفاقية كامب ديفيد وكنا نسمع صوت القدس وصوت فلسطين وصوت دمشق كنا على صغرنا نعرف رئيس الوزراء والوزراء واليوم لا اعرف 80% من وزرائنا . لا اكترث فلا فرق ؟ ونتناقش بالسياسة لساعات كنا نمرر المنشور أو البيان للجبهة أو الأخوان لا فرق فالمهم أن يعمم البيان وكان يمر بسرعة البرق بين الرفاق والإخوان كنا نتابع حرب العراق وإيران ساعة بساعة كنا نعيشها وكأنها حربنا ؟ لم يكن يومها عندنا برلمان وأحزاب سياسية في العلن ما أحلى أيام الأحكام العرفية ؟؟؟؟ فالأحزاب يومها كانت حقيقة كان لها نشاط في الشارع وشان . فقد كانت حلقات الأخوان تعقد في الجوامع والبيوت وحتى المضافات وكانت الجبهتين وكان البعثان وكان الرفاق يتحركون في كل مكان في المدارس في الجوامع في الكنائس في الجامعات في الأسواق كانت حياة سياسية حقيقية ليست مجمدة كما هي الحياة السياسية اليوم التي جمدوها وحنطوها بقانون الاختراب اقصد قانون الأحزاب وقانون الخازوق الواحد( خازوق واحد لكل مواطن ) , كنا نسمع سلوى العاص تخسى يا كوبان ما انتا ولف إلي ونسمع فيروز أردن ارض العز أغنية الظبى نبت السيوف وسيف عزك ما نبى فتهتز جوانبنبا ويرتعش الجنان, ونسمع مارسيل وهو يشدو منتصب القامة امشي وأناديكم أناديكم واشد على أياديكم ونسمع الشيخ إمام جيفرا مات ومصر ياما يا بهية لا اعرف كيف ومن أين كنا نحصل على الأشرطة لكنها كانت تنسخ محليا ومنزليا وتنتقل من شخص إلى شخص صدقوني لا اعرف ماذا بقي من ذاك الزمان فلا الحارة حارة ولا القرية ظلت قرية ولا المخيم ظل مخيما كلها أراها اليوم تنعق على هاماتها بومات وغربان؟ كم أنا مشتاق إليك يا وطني وكم أنا مشتاق إليك يا أبي ومعلمي ,, ها قد مر عام على فراقك وعزائي انك عند رب رحيم فألف رحمة ونور أهديك إياها,, لن ولم انس يوم ان سألتك وأنا مازلت في الثالث إعدادي...؟ ما الوطن..؟ فأجبتني الوطن هو الأم لان الإنسان يخون كل العالم يخون زوجته يقصر مع أبنائه ينسى والده لكن لا يخون أمه لا ينساها ,لا يسيء إليها لأنها هي الوحيدة التي تظل تحبه وتحنو عليه مهما فعل ...؟ سابكيك ما حييت فلم تعرف مقلتاي الدمع إلا على فراقك ..؟ فأنت من علمني ان الرجال لا يبكون ضعفا ولا خوفا ولكنهم يبكون شفقة ورحمة ؟ ودمتم ودام الأردن جزءا من أمته,, عزيزا بعروبته وأهله وقيادته وعين الله ترعى الجميع المحامي/ عمر محمد البصول huqooq@yahoo.com








طباعة
  • المشاهدات: 20295
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
17-02-2010 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة المياه والري بقيادة الوزير المهندس رائد أبو السعود؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم