بقلم : الدكتور المحامي ربيع العمور
تثير مسألة قتل الكلاب الضالة جدلا واسعا في المجتمع الأردني: هل يعتبر هذا الفعل جريمة معاقب عليها وفق قانون العقوبات، ام انه يخرج عن نطاق التجريم؟ للاجابة على هذا السؤال لا بد من الرجوع الى النصوص التشريعية ذات العلاقة، وفي مقدمتها قانون العقوبات وقانون الزراعة وتعليمات التعامل مع الحيوان رقم (ز/18) لسنة 2022.

أولا: مضمون المادة 452 من قانون العقوبات
تنص المادة 452 على تجريم قتل حيوان الجر او الحمل او الركوب او المواشي من مختلف الانواع التي تخص الغير، وشددت العقوبة اذا وقع القتل بالتسميم.
جوهر النص يتمحور حول حماية الملكية الخاصة للافراد في حيواناتهم، وليس حماية الحيوان بذاته ككائن حي.

ثانيا: نطاق الحماية الجزائية
محل الحماية هو الحيوان المملوك (جر، حمل، ركوب، ماشية، داجن او أليف).
المعيار الحاسم: وجود مالك او حائز او سلطة فعلية على الحيوان.
النص لا يشمل الحيوانات السائبة او الضالة التي لا تعود ملكيتها لاحد.

ثالثا: الكلاب الضالة وخروجها من نطاق التجريم
الكلاب الضالة التي تنتشر في الشوارع لا تدخل في مفهوم الحيوان الذي يخص غيره، لانها بلا مالك.
وعليه، فان قتلها او تسميمها لا يشكل جريمة بمفهوم المادة 452.
المشرع قصد حماية الملكية الخاصة، لا حماية الحيوان بذاته.

رابعا: تعليمات التعامل مع الحيوان رقم ز/18 لسنة 2022
ادخلت هذه التعليمات اطارا تنظيميا لمعالجة معايير الرفق بالحيوان، ومنها المادة 7 التي نصت على توفير الايواء والتغذية والعلاج وتنظيم النقل والذبح والاكثر ومنع تشغيل الحيوانات بما يهدد سلامتها.
كما نصت المادة 8 على ان قتل الحيوان او جرحه بقصد الايذاء يعتبر مخالفة لمعايير الرفق بالحيوان، واحالت المادة 9 العقوبات الى قانون الزراعة وقانون العقوبات.

خامسا: موقع التعليمات في التدرج التشريعي
وفقا لمبدأ التدرج التشريعي:
القانون يسمو على التعليمات.
التعليمات لا تنشئ تجريما او عقوبة جديدة، بل تفصل ما ورد في القانون او النظام.

وبالتالي، رغم ان التعليمات شملت في تعريف الحيوان الكلاب الضالة، الا انها لا تستطيع توسيع نطاق التجريم ليشملها، لان قانون العقوبات نفسه لم يتناولها. الاحالة التي وردت في التعليمات تبقى محصورة بحدود النصوص القانونية النافذة.

سادسا: الواقع العملي وتقصير السلطات
المجتمع يشهد يوميا حوادث مؤلمة لهجوم الكلاب الضالة على الاطفال والنساء وكبار السن، مسببة اصابات وخوفا عاما.
هذا الواقع يكشف عن تقصير البلديات والجهات المختصة التي يقع على عاتقها ضبط الظاهرة ومعالجتها باسلوب منظم، ما يدفع الافراد احيانا الى تسميم الكلاب او قتلها كحل بديل، وهو ما لا يجرمه القانون اصلا.

سابعا: الاباحة وحق الدفاع الشرعي
اذا شكلت الكلاب الضالة خطرا مباشرا على الناس، فان التعامل معها يدخل تحت مظلة الدفاع الشرعي عن النفس والغير
فحماية الارواح مقدمة على بقاء الحيوان السائب الذي قد ينقل الامراض او يهدد السلامة العامة.

ثامنا: المسؤولية المدنية للبلديات
الى جانب الجانب الجزائي، تترتب مسؤولية مدنية على البلديات والجهات الرسمية اذا قصرت في ضبط الكلاب الضالة.
فمن يتعرض لاعتداء من كلب ضال له ان يطالب بالتعويض امام القضاء استنادا الى قواعد المسؤولية المدنية في القانون المدني الاردني.

الخلاصة يا سادة

قتل او تسميم الكلاب الضالة غير مجرم في قانون العقوبات الاردني.
المادة 452 تحمي الملكية الخاصة، لا الحيوان ذاته.
تعليمات التعامل مع الحيوان لسنة 2022 شملت الكلاب الضالة في التعريف، لكنها لا تملك بحكم درجتها التشريعية ان تجرم قتلها.
مبدأ الشرعية الدستوري (لا جريمة ولا عقوبة الا بنص) يحول دون اعتبار ذلك جريمة.
البلديات قصرت في اداء دورها ما جعل الظاهرة تتفاقم.
الدفاع الشرعي يبرر التعامل مع الخطر المباشر للكلاب الضالة.
للمتضررين من هجومها حق المطالبة بالتعويض المدني من البلديات.