10-11-2011 03:30 PM
سيدي؛ تمر السنين سريعاً، فلا تتجنب حقيقة مرورك بأحداث العمر بتلك السرعة المخيفة، تدرك إذا أنت فكرت؛ حجم الاختلاف المثير للدهشة تارةً، والحسرة تاراتٍ أُخر؛ تدرك أنك أصبحت حلقة وصل بين عدة أجيال، وتتعمق بحجم اختلاف حيثيات حياتك البسيطة منها والكبيرة، إذا أنت أمعنت النظر في مفرداتك اليومية حتى وإن كنت لا تزال في عشرينيات عمرك، فسترى بأنك قد رأيت الكثير، ومارست الكثير. قديماً؛ في قريتنا، كانت التجارة –على أنواعها- بما كنا نسميه آنذاك "الدكانه"، والدكانة؛ عبارة عن مخزن رطب صغير، يسكنه تاجرٌ مسن، على الأغلب قد ملّ الزراعة والمَزارع (إن وجدت)، فقرر أن يتجه إلى التجارة. جلّ مظهرها الخارجي، هو باب الحديد "بظرفتين"، ومكانس القش المعلقة على الباب، و"أباريق الوضو" المربوطة بخيط "مصيص"، وكراسي الحبال، حيث كان يجلس عليها "ختيارية" الحارة بعد أدائهم صلاتَهم. في تلك الأثناء كان في (الحارة التحتا) "ميني ماركت"، لا يختلف بشيء عن مواصفات "الدكانة" الداخلية، إلا أن علامته الفارقة كانت باب الزجاج الذي على المدخل، فكنا نميز الدكانة عن الميني ماركت، بباب الزجاج، وفقط!
سيارات قريتنا كانت نادرة الوجود، لا تكاد تجتاز أصابع أيدي العائلة الواحدة، فمن كان يقتني سيارة (بغض النظر عن مواصفاتها)، كان يحسب له ألف حساب، ويُدفع في أواسط المضافات جالساً! ومن أكبر الغرائب، أن تجد سيارةً ذات نمرةٍ أردنيةٍ، تحتوي على "جير أتوماتيك"، أو "ايرباج"، وجل الغرابة الطريفة، كانت تتجلى إذا شاهدت بأم عينك زجاج السيارة ينزل ويرتفع كهربائياً، فتحس أنك ترى ما لا أحدٌ غيرك رأى ولا خطر على بال بشر، وأنك قد امتلكت ميزةً تنافسيةً على ما بقي من أقرانك. في حارات قريتنا؛ كان من الندرة المفرطة أن تجد "بيت حجر محكّم"، فأكثر ساكني تلك الحارات، كانوا يقطنون بيوتاً اسمنتيةً عادية، تقيهم ما تقيهم من حر الدنيا وقرها، وكان الله بالسرّ عليماً! وترى "الشبكة" قد تربعت على أسطح المنازل من قبيل الترف غير المبرر عند البعض، فما بالك إذا كانت الشبكة ذات موتورٍ ميكانيكي، أو "بوستر" لتقوية البث، لترى أن المحطة المصرية الأولى قدو وصلتك "طبع"!
في قريتنا، كان أكثر الأزياء رواجاً عند النساء كبيرات السن، هو "الشرش" الأسود. وأكثرها روعةً عند المناسبات والأعياد؛ أن ترى جداتك وكبيرات السن في قريتك، يرتدين الأثواب المطرزة بزاهي الألوان، والـ"عرجة" الموشحة بالفضة أحياناً. تختلف الأزمنة، وتجيء الأحداث وتغدو، لتصبح قادراً على التمييز والتطوير، وعلى الشراء والتحديث. فقريتنا اليوم، أصبحنا نسميها "بلدة"، وفي بلدتنا اليوم، كل الـ"دكاكين" أصبحت "سوبر ماركت"، لتقفز حتى عن مرحلة الوسط بـ "الميني ماركت"! إلا أنك تدخل الباب الزجاجي لذلك الـ"سوبر ماركت"، لتجد أن الـ"دكانة" كانت أكثر نفعاً وأميز بضاعةً! في بلدتنا اليوم، أمام كل منزل "حجر" أو اسمنت، ما يفوق السيارة الواحدة، وقد أصبحت إضافاتها المعيارية: جير أتوماتيك، مكيف "حامي - بارد"، زجاج كهربائي، و"مخدات هوائية"! في بلدتنا اليوم، صار المقبل على الزواج يهكل الهم، بأن من يريدها؛ لن تقبل إلا بـ"بيت حجر وقدامة أرض"، فقد أصبح من المعتاد جداً أن ترى بيوتاً حجريةً جديدةً، أو أن يتم تحديث القديم منها، ليتواءم ومتطلبات هذه المرحلة.
والويل كل الويل، إذا كان بيتك خاوياً من مناظر الـ"جبس" والـ"تكحيل"، فقد أتيت فاحشةً منكرة التفسير والتأويل! ناهيك عن متطلبات القنوات الفضائية، فمن ستربطك بها أشرف العقود وأنظفها، تريد متابعة "ستار أكاديمي"، ولن تستطيع إنكار فضل مسلسلات رمضان على ترفيهها، فلا شبكات بعد اليوم، حتى وإن كانت ذات "بوستر وموتور"! شخصياً، لا أظن أن من الممكن أن أناقش هنا مآل الأزياء الـ"النسوية"، فقد استمسكنا بعادةٍ وحيدة، فأنا لا أريد أن أستقبل "عطوات"، فما كنت سأقوله، سيؤوّل لا محالة على لساني، فأصبح جانياً فاجراً، لا باكياً ناشراً. ودمتم..
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
10-11-2011 03:30 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |