11-05-2025 11:11 PM
بقلم :
أحدثت الثورة التكنولوجية تحولًا جذريًا في أنماط الحياة اليومية، حيث أصبحت الأجهزة الإلكترونية جزءًا لا يتجزأ من حياة الأفراد، بمن فيهم الأطفال. ففي ظل توفر الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، وألعاب الفيديو، أصبح من الشائع أن يقضي الأطفال ساعات طويلة يوميًا أمام الشاشات، سواء لأغراض الترفيه أو التعلم أو التواصل. وعلى الرغم من الفوائد التعليمية والتقنية التي قد توفرها هذه الوسائل، إلا أن الإفراط في استخدامها يحمل العديد من المخاطر النفسية والسلوكية، خاصة لدى الفئة العمرية الصغيرة.
إن هذا الاستخدام المتزايد يثير قلق المختصين في مجالات الصحة النفسية والتربية، إذ تشير العديد من الدّراسات الحديثة إلى ارتباط مباشر بين كثرة استخدام الأجهزة الإلكترونية وظهور اضطرابات نفسية وسلوكية لدى الأطفال. وفي هذا السياق، تبرز أهمية الإرشاد النفسي كوسيلة فعّالة للوقاية والتدخل، من خلال التوعية وتقديم الدعم اللازم للأطفال وأسرهم. تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على أبرز الآثار النفسية والسلوكية لاستخدام الأجهزة الإلكترونية لدى الأطفال، واستعراض دور المرشد النفسي في التخفيف من هذه الآثار وتعزيز نمط حياة صحي ومتوازن.
يعتمد الأطفال على الأجهزة الإلكترونية لعدة أسباب، تتفاوت بين الحاجة إلى التسلية وغياب البدائل الاجتماعية. ومن أبرز هذه الدوافع:
• الترفيه: حيث توفر الألعاب الإلكترونية ومقاطع الفيديو بيئة جذابة وشيقة للأطفال.
• الهروب من الواقع: قد يلجأ بعض الأطفال إلى استخدام الأجهزة كوسيلة للهروب من مشكلات أسرية أو ضغوط نفسية.
• التقليد والتأثر بالأقران: حيث يرغب الطفل في تقليد أصدقائه أو أفراد أسرته.
• انشغال الوالدين: مما يدفع الطفل إلى اللجوء للأجهزة كوسيلة لملء وقت الفراغ وتعويض غياب الاهتمام.
و أظهرت الدّراسات أن الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية مرتبط بظهور عدد من الاضطرابات النفسية والسلوكية لدى الأطفال، مثل تشتت الانتباه وضعف التركيز: نتيجة الانتقال المستمر بين المثيرات السريعة والملونة التي تقدمها الشاشات. واضطرابات النوم: مثل صعوبة النوم أو النوم المتقطع، بسبب التعرض المستمر للضوء الأزرق وتأخر أوقات النوم.
والقلق والاكتئاب: خاصة عند الاستخدام المفرط للتطبيقات التفاعلية أو الألعاب التي تتضمن محتوى عنيف أو تنافسي.
العزلة الاجتماعية: حيث يفقد الطفل مهارات التفاعل الواقعي ويفضل العالم الافتراضي.
السلوك العدواني: خاصة في حال التعرض المتكرر لمحتوى عنيف أو تنافسي دون رقابة.
وكما ويعتبر الاستخدام الزائد للأجهزة الإلكترونية قد يؤثر سلبًا على النمو العقلي والمعرفي للطفل، بما في ذلك:ضعف في تنمية المهارات اللغوية: نتيجة غياب التفاعل الكلامي مع الآخرين.وقلة الإبداع والتفكير النقدي: بسبب الاعتماد على المحتوى الجاهز بدلًا من الأنشطة التحفيزية. وبطء في تطور مهارات حل المشكلات: نتيجة غياب المواقف الواقعية التي تتطلب تفكيرًا تحليليًا.
تلعب الأسرة دورًا جوهريًا في الحد من التأثيرات السلبية لاستخدام الأجهزة الإلكترونية، مثل وضع حدود زمنية واضحة: لتقنين مدة استخدام الأجهزة حسب الفئة العمرية ومراقبة نوع المحتوى: للتأكد من ملاءمته للعمر وعدم احتوائه على مواد ضارة ، بالأضافة إلى توفير بدائل تربوية وترفيهية: مثل الألعاب التعليمية والأنشطة الخارجية والقراءة. وتعزيز الحوار الأسري: لتقوية العلاقة بين الوالدين والطفل وتشجيع التواصل الواقعي.
كما ويُعد الإرشاد النفسي أداة فعّالة لمعالجة المشكلات الناجمة عن الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية، وذلك من خلال:
• التوعية المجتمعية: عبر حملات ومحاضرات توعوية موجهة للأطفال وأسرهم حول أضرار الاستخدام المفرط.
• تصميم برامج إرشادية علاجية: تساعد الطفل على ضبط سلوكه الإلكتروني وتطوير مهارات بديلة.
• التدخل العلاجي في الحالات الحادة: مثل اضطرابات النوم أو القلق الاجتماعي الناتج عن العزلة.
• تقديم الدعم النفسي والتربوي للوالدين: لمساعدتهم على بناء بيئة منزلية داعمة.
خاتمة
لا شك أن الأجهزة الإلكترونية أصبحت جزءًا من واقعنا المعاصر، ولا يمكن تجاهل الفوائد التي تقدمها. ومع ذلك، فإن الاستخدام غير المنضبط لها يعرّض الأطفال للعديد من المخاطر النفسية والمعرفية. وهنا تبرز أهمية التوازن، والوعي، والدور التربوي للأسرة، إلى جانب الدور المهني للمرشد النفسي الذي يقع على عاتقه مسؤولية الوقاية والتوجيه والتدخل عند الحاجة. إن بناء جيل صحي نفسيًا يتطلب شراكة حقيقية بين البيت، والمدرسة، والمجتمع، تقوم على أسس تربوية ونفسية سليمة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
11-05-2025 11:11 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |