05-05-2025 02:13 PM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
تحدث المشاجرات البرلمانية في معظم برلمانات العالم التي تتمتع بشيءٍ من الديمقراطية، وقد يحدث خلالها تبادل الضربات الجسدية، وما تطاله الأيدي من أشياء متحركة كالكراسي وزجاجات العصير وكاسات الماء، والّلافت أنّ معظم هذه المشاجرات تكون إمّا لاختلافات حزبية عميقة، أو اختلافات على مصلحة عامّة يراها كلُّ متشاجر من منظورٍ مختلف.
ولا يقتصر الأمرُ على الشجار بين النوّاب بين أنفسهم، بل قد يتعدّاه إلى ما بين بعض النوّاب وبعض الوزراء، خاصةً إذا كان كل منهما من حزبٍ مختلف عن الآخر في الدول ذات النهج الحزبي في الإدارة والقيادة.
ربما لا يمكن الجزم بأنّ هذه الحالة صحيّة تمامًا، لكنها على الأقل مؤشرٌ على وجود حريّة في الحديث من جهة، ومؤشرٌ على أنّ الاختلاف بين الساسة قد يكون أعمقَ مما يبدو على الشاشات أو ما يقولونه لجمهورهم ومؤيّديهم.
في البرلمان الأردني حدثت مثل هذه المشاجرات، وتحدث، وستظل تحدث، ولكن بين النوّاب أنفسهم عادةً، وفي غالبيتها لم تكن أكثر من خلافاتٍ شخصية بين بعض الأعضاء، دون ارتكازها على مصلحةٍ وطنيةٍ عليا تمّ الاختلاف على معالجتها بينهم، أو قانونٍ جدلي يقفُ فيه الأطراف على زوايا مختلفة في الرؤية بين المصلحة العامّة للدولة والمصالح الفردية لأفراد المجتمع، أو الاختلاف مثلًا على الثقة بأحد الوزراء، أو إنتاجيته، أو حتى طريقة إدارته للوزارة، أو أداء الوزارة ذاتها.
في غالبية برلمانات الدول النامية، أو ما اصطلح على تسميتها بدول العالم الثالث، تحتاجُ الديمقراطية إلى تجذير حقيقي يعرف كل فردٍ ومسؤولٍ فيها حدود حقوقه فيلتزم بها، وحدود واجباته فيقوم بها، ضمن إطارٍ تكونُ فيه المصالح العامّة مقدّسة ومقدّمة على المصالح الفردية والشخصية والفئوية على اختلافها وتنوّعها، وضمن حريّاتٍ مسؤولة تقوم على معرفة الحقوق والواجبات معرفةً سلوكية أكثر منها تنظيرية، وفي إطار القوانين السارية التي تحدّد المسموح والممنوع.
ما يُميّز شعوب الدول الناميّة أنّها إلى هذه اللحظة تحترفُ التنظير أكثر من احترافها للأداء، وتمارسُ في السرّ ما لا تقبلُ ممارسته في العلن، وتقومُ خطاباتها على استثارة العواطف في صياغاتٍ جُلّها خيالية غير قابلةٍ للتطبيق في الزمن المنظور والجغرافيا المتاحة، أكثر من استنادها إلى خطابات تحترمُ العقل وتتوجه إليه.
ما يُميّزُ الدول الناميّة كذلك أنّها تُصدّقُ وتميلُ إلى الخطاب الشعبوي أكثر من تصديقها للخطاب العقلاني الهادئ، فتصنُع ممن يُمكنُ تسميتهم بـ (الظاهرة الصوتية) أبطالًا، وتُعيدُ إنتاجهم مرّةً بعد مرّة رغم ثبوت ضعف أدائهم، ومحدودية إنتاجهم، وضحالة تفكيرهم، لا لشيء إلّا لأنّ مجرد خطابهم الاحتيالي المكرور يلامسُ شيئًا في وجدانهم ويعبّر عن شيءٍ منه بصوتٍ عال.
مجالس النوّاب في أيّ مكانٍ في العالم تكاد تكون متشابهة، وهي بالمجمل تعكس حالة وصورةً واقعية يمارسها أيضًا الشارع الذي أفرزها، فالبرلمان ما هو إلا مجتمع صغير يُمثّل بشكلٍ أو بآخر المجتمع الكبير الذي أفرزه.
المحامي أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
05-05-2025 02:13 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |