حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,22 مايو, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2969

المسؤولية القانونية الدولية عن وباء كوفيد-19

المسؤولية القانونية الدولية عن وباء كوفيد-19

المسؤولية القانونية الدولية عن وباء كوفيد-19

09-04-2020 08:44 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور ياسر الخلايلة
هدّد رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب مساء أمس 8 إبريل 2020 بتعليق دفع المساهمة المالية الأميركية في منظمة الصحة العالمية، منددا بطريقة إدارة المنظمة الأممية للتصدي لوباء كورونا المستجد، وبأن المنظمة العالمية ربما كانت تعلم أكثر مما كشفت عنه في بداية الجائحة، وأنها أخذت موقفاً منحازاً للصين. كما أضاف الرئيس الأمريكي أن المنظمة الدولية تأخرت في إطلاق التحذير بشأن فيروس كورونا.
هذه التصريحات تستدعي مناقشات مطوّلة بقواعد القانون الدولي الخاصة بالمسؤولية الدولية. فمن المعروف قانونا أن كل خرق لالتزام دولي من قبل دولة ما، أو منظمة دولية ما، يوجب مساءلتها من الناحية القانونية تجاه الدولة المعتدى عليها أو المتضررة. وبناء على ذلك، نلاحظ أنّ المسؤولية الدولية تتسم ببعض المفردات الخاصة بها:
• المسؤولية الدولية لا تكون إلّا على عاتق دولة، أو منظمة دولية، وهي وحدها ملزمة إصلاح الضرر الذي سببه تصرّفها غير المشروع.
• المسؤولية الدولية لا تتقرر إلا لمصلحة دولة متضررة.
ولكي تتقرر المسؤولية الدولية، لا بد من توافر عناصر تلك المسؤولية الدولية المتمثلة بـ: أولاً: ثبوت الفعل غير المشروع أو الخطأ الصادر عن أحد أشخاص القانون الدولي، ثانياً: ثبوت الضرر لدولة (أو دول) أخرى، وثالثاً: ثبوت نسبة الفعل غير المشروع إلى شخص قانون الدولي. فإذا ثبت ذلك، يكون من آثار المسؤولية الدولية أن يتم تحميلها لمن ثبتت بحقه، وينشأ التزام بإصلاح كل ما ترتب من أضرار.
وقد أكد العرف والفقه والقضاء الدولي وقرارات المحافل الدولية وما نصت عليه اتفاقيات دولية عديدة تتعلق بالمسؤولية الدولية والعرف الدولي، التزام الدولة المسؤولة إصلاح الضرر بطريقة كافية، وذلك بناء على القاعدة المستقرة القائلة بأنّ كل ضرر يوجب المسؤولية.
وبناء على ذلك، نرى أن قواعد المسؤولية الدولية حاضرة فيما لو تجرأت أي من الدول المتضررة برفع شكواها إلى محكمة العدل الدولية ضد أي دولة تتجه الأنظار إلى مسؤوليتها عن انتشار وباء كوفيد-19، أو أنها خالف الإجراءات الدولية المستقرة حول مسألة انتشار الأوبئة، ودستور منظمة الصحة العالمية واللائحة الخاصة بذلك والصادرة عنها عام 2005.
بيد أن ربما ان يتساءل سائل: ماذا لو ثبت أن استخدام الفايروس كان من قبيل السلاح الجرثومي.؟ عندها نكون إزاء عدد من السيناريوهات القانونية المتعلقة بالقانون الدولي الانسان وقانون المحكمة الجنائية الدولية.
فربما نكون إزاء جريمة دولية قد توصف بأنها "جريمة عدوان دولي" بشكل صريح. تعرّف جريمة الدوان بموجب نظام المحكمة الجزائية الدولية (المادة 8 مكرر) بأنها: "قيام شخص ما له وضع يمكِّنه فعلًا من التحكم في العمل السياسي أو العسكري للدولة أو من توجيه هذا العمل بتخطيط أو إعداد أو بدء أو تنفيذ عمل عدواني يشكل بحكم طابعه وخطورته ونطاقه انتهاكًا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة". ولأغراض هذا التعريف، يعني العمل العدواني "استعمال القوة المسلحة من جانب دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو بأي طريقة أخرى تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة. وتنطبق صفة العمل العدواني على أي عمل من الأعمال التالية، سواء بإعلان حرب أو بدونه...".
أو قد نكون إزاء أحد الجرائم ضد الإنسانية الموصوفة في نظام روما الأساسي لعام 1998. لغرض هذا النظام الأساسي، يشكل عدد من الأفعال "جريمة ضد الإنسانية " متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم، وهي تشمل " الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية".
أو أننا قد نكون ببساطة إزاء جريمة حرب.! وهي تعرّف بأنها كل انتهاك لقوانين وأعراف الحرب والتي ترتكب أثناء النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. هنا لا بد لنا من تحليل كلمة "الحرب الفعليّة" أو "النزاعات المسلحة" ومناقشة فيما لو ثبت أن هناك حرب بالفعل تم استخدام السلاح الجرثومي فيها. فبلا شك، تنطبق مفاهيم القانون الدولي الإنساني على النزاعات المسلحة فقط. وحث أننا لا نستطيع القول بأننا نواجه نزاعاً مسلحاً صريحاً بالمفهوم القانوني، إلّا أن الأمر سيكون مثيراً للجدل فيما لو أنه بدا ان فيروساً مفتعلاً في مختبرات خاصة قد تم تطويره واستخدمه بالفعل.
في كل هذه الحالات، سيغدو الأمر أكثر تشويقاً، من الناحية القانونية، لو أن الموضوع تطوّر إلى إعمال قواعد القانون الجنائي الدولي. فماذا لو قام مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية بدور حقه في ابتداء التحقيقات الجنائية ضد أي شخص تشك في ضلوعه بأي من تلك الجرائم. هذا لأن مدّعي عام المحكمة الجنائية له حق أصيل، إذا اقتنع بوجود مخالفة قانونية داخلة في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ان يبتدئ ما يران مناسباً من تحقيق بموجب (propio motio poser). زمع التنبه إلى حقيقة أن الصين ليست طرفاً في اتفاقية روما، يمكن أيضاً أن يتم ابتداء التحقيق بقرار من مجلس الأمن، والذي لا شك سيأخذ منعطفاً صعبا في هذا الشأن كون امتلاك الصين لحق الفيتو الذي سيكون بلا شك بالمرصاد لو تجرأت الولايات المتحدة الأمريكية على اتهامها على سبيل المثال، او العكس تماما.
وعلى نطاق آخر، السؤال ربما سيدور يوما ما عن آثار كورونا في إمكانية إعادة النظر في بعض بنود ميثاق الأمم المتحدة. فحرب عالمية ثالثة كان سيكون لها مثل ذلك الأثر، لكن جائحة كوفيد-10، وما لها من تأثير مدوي على الاقتصاد الدولي، يمكن أن تحدث ذات ذلك الأثر المنشود. الأبحاث العلمية في سياق تعديل الميثاق وإعادة تركيبته كانت كثيرة خلال العقدين المنصرمين.
وأخيراً، يتبقى إشكالية إخضاع الدولة المتسببة بانتشار الوباء للمثول امام محكمة العدل الدولية، أو بسبب فشلها بواجب "الاخطار السريع" ومشاركة المعلومات المتعلقة بالأوبئة قبل فوات الأوان وبما يقلل من التهديد الذي أصاب البشرية جراء انتشار فايروس كورونا المستجد. يبدو انّ هذه الحالة ملازمة لدولة الصين التي بدأ الفايروس الانتشار من أراضيها وتأخرت في دق ناقوس الخطر، حتى وصل الانتشار أمصار الأرض كلها.
ولتجاوز مسألة توافر الاختصاص القضائي، وبموجب المعطيات الحالية، أرى أنّه يمكن ذلك فقط بالاستناد على المادة 75 من دستور منظمة الصحة العالمية ذاته والتي تنص على أن "أي مسألة أو نزاع يتعلق بتفسير أو تطبيق هذا الدستور لا تتم تسويته عن طريق التفاوض أو جمعية الصحة يُحال إلى محكمة العدل الدولية ...". فبرأينا، لا بد من استيعاب تفسير موسع لنص المادة 75 تماما كما ثبت اتجاه محكمة العدل الدولية في تبني تفسير موسع لاختصاصها العام المنصرم في القضية التي نظرتها بين أكرانيا وروسيا، حيث تبنت المادة 22 من اتفاقية عدم التمييز العنصري بهذا المفهوم الموسع لإرساء اختصاصها في نظر القضية بينهما وتمرير قرارها على ذلك الأساس. وعليه، يبدو أنّه يمكن أن يتاح لأي دولة، ذات مصلحة، تود ابتداء قضية تعويض ضد الصين بشأن انتشار قايروس كوفيد – 19، أن تبتدئ بتسجيل قضيتها دونما أدنى حاجة من أن تفعل ذلك من خلال اللجوء لجمعية الصحة كشرط لأن تُحال القضية إلى محكمة العدل. كما يمكن الاعتماد على المادتين 21 و 22 من دستور منظمة الصحة العالمية واللتان تمنحا جمعية الصحة العالمية سلطة اعتماد لوائح تنفيذية (مثل اللوائح الصحية الدولية)، وعلى أنّها باعتمادها تلك اللوائح "تدخل حيز التنفيذ بالنسبة لجميع الأعضاء". وهكذا، يمكن تصوّر مسائلة الصين قانونياً عن انتهاكها لمبدأ "الاخطار السريع". وكما يمكن ايضاً الادعاء بأن الصين انتهكت المادة 64 من دستور منظمة الصحة العالمية، التي تنص على أنّ "يقدم كل عضو تقارير إحصائية ووبائية بطريقة تحددها جمعية الصحة". المادة 6 (2) من جهتها تلزم الدول الأطراف، بعد إخطار منظمة الصحة العالمية بحدث قد يشكل حالة طوارئ صحية عمومية تثير قلقًا دوليًا، "إبلاغ منظمة الصحة العالمية ... بدقّة وفي الوقت المناسب". وكما تتطلب المادة 7 من الدول الأطراف بأنّه في حال كان للدولة أدلة على حدث يشير إلى إمكانية وقوع وباء أن تسارع إلى "تزويد منظمة الصحة العالمية بجميع المعلومات الصحية العمومية ذات الصلة". وبناء على ذلك، يمكن للدولة أن تدعي أن الصين انتهكت المادة 64 من دستور منظمة الصحة العالمية من خلال انتهاك المادتين 6 و 7 من اللوائح الصحية الدولية.
هذه البدائل ستكون ممكنة فقط في حال ما تبنت دولة ما الخيار القضائي لموضوع انتشار وباء كورونا في مواجهة دولة بحجم الصين. وهي بالطبع ليست بالمهمة سهلة. ولكن حتى إذا لم يكن الطعن القانوني ناجحًا، فإن متابعة مثل هذه القضية في منتدى عام كمحكمة العدل الدولية يمكن أن يؤدي إلى انتصارات سياسية كبيرة. وعلينا التذكر بأنّ البشرية لن تواجه انتهاكات للقانون الدولي على هذه الشكلة كل يوم، وأن الاستثمار القضائي والقانوني في هكذا جائحة يغدو متطلباً لا غنى عنه.

كتب الدكتور ياسر الخلايلة، أستاذ القانون الدولي في جامعة جدارا


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 2969
هل ستشارك في الانتخابات النيابية
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم