09-09-2017 12:57 PM
بقلم : محمود الشيبي
عندما احتلت الولايات المتحدة الأمريكية العراق عام 2003م، عيّـنـتْ سيء الذكر بريمر حاكماً للعراق. ووفق خطة مرسومة لتدمير المنطقة العربية صـنّـع بريمر دستوراً طائفيا للعراق بقصد تدميره، وتفـتـيـت المشرق العربي حيث نرى تداعياته الدموية ما زالت قائمة أمام أعيننـا، فما عرف العراق في تاريخه العربي الطويل تمييزاً مذهبياً أو طائفياً قـط قبل هذا الدستور. أما الرئيس الروسي بوتين فقد احتلت جيوشه سوريا بدعوة من بشار الأسد، وعاثــت فساداً في الأرض، فهجّرت الشعب السوري إلى كثير من البلدان، ومزقت أبناء الوطن الواحد، ودمرت كل بنيان وهدمت البيوت على رأس ساكنيها، وبعد أنْ استتب الأمر لجيشها صنّـع بوتين دستوراً لسوريا، يهدم كل بنيان ويمزق أبناء البلد الواحد الذي لم يعرف الفرقة والتمييز بين أبنائه إلاّ في عهد الأسد الأب والإبن ، ومن موقف الحاكم الآمر الناهي عرض بوتين دستوره على المعارضة الوطنية السورية فـأبوا ورفضوه، لكن لا نعلم ما ستأتي به الأيام. من المستنكر والمستغرب أنْ يقوم أمريكي وروسي بكتابة دساتير للعرب الذين بنو حضارة عظيمة يوم كانت أوروبا تغط في سبات عميق. لكننا نعيش زمن الإنهيار العربي، وفيه يكتب الجاهلُ للعالِم ما يقول وما يفعـل. لقد قامت مخابرات النظام السوري بتصنيع معارضة من بضع رجال، ليس لهم وزن قـشّة في الميدان، وأوكلت أمرهم إلى موسكو لتفرضهم على المعارضة الوطنية السورية، وسميوا "منصة" موسكو. ومن المهين أنْ تضطر المعارضة السورية أنْ تستقبلهم لتنسق معهم بضغط من روسيا، رغم أنهم متمسكون ببشار الأسد ونظامه، ولن يلتقان في رؤية ولا في قرار.
لقد تصدى الشريف الحسين بن علي لاتفاقية سايكس – بيكوعام 1917م، لكن قـوة الأمر الواقع فرضه الإحتلال البريطاني الفرنسي على المنطقة العربية. وبعد الإستقلال فشل العرب في إقامة دولة عربية واحدة، فظلوا دولاً متنافرة، ورغم أننا كنا نرى نوراً في نهاية النفق الذي أدخلنا فيه الحكام العرب. غير أنّ الحكم الديكتاتوري لكثير من الدول العربية جعل شعوب هذه الدول تنتفض انتفاضات أُجـهـضـتها الثورة المضادة، فعوقبت ثورة سوريا عام 2011م بتدمير سوريا من ديكتاتور يأبى أنْ يغادر سوريا إلاّ وهي قـاع صفصف، فأتى بالإيرانيين ليقمعوا شعبه، ولما فشلوا أتى بالروس القتلة ليدمروا سوريا.
لدى الإيرانيين الفرس مشروع إحياء امبراطورية فارس، فسخروا كل موارد الدولة لبناء ترسانة عسكرية ضخمة، ونجحوا في ذلك رغم ما سُمي بالحصار المفروض عليهم، بحيث تمكنوا من السيطرة على بغداد بني العباس ودمشق بني أميّة، وهاهم يعبثون في لبنان بما شاؤا، وفي اليمن تقاتل مليشياتهم من أجل احتلالها بضراوة. أما الدول العربية الغنية والتي تفوق وارداتها كثيراً واردات إيران، فليس لديهم قوة تمكنهم من الدفاع عن الوطن، وسلاحهم يشترونه من دول تفرض عليهم كيفية استعمالها. إنها مهـزلة لا ندري إلى أين ستؤدي بالعرب.
إنّ ما يجري في الوطن العربي هو تنفيذ لمخطط برنارد لويس الذي أقره الكونجرس الأمريكي عام 1983م، من أجل أنْ يظل الوطن العربي مشتتاً ممزقاً لمصلحة اسرائيل. وإسرائيل الآن على قمة مجدها، اغتصبت الجزء الأكبر من فلسطين عام 1948م، ثم اغتصبت ما تبقى من فلسطين عام 1967م، وها هي تعيث في فلسطين فساداً، فتقتل الناس وتدمر البيوت، وتفعل ما تشاء ولا رادع لها بعد أنْ امتلكت مال العالم، وأصبح الإعلام العالمي ملكاً لها، وغدت ماكنتها العسكرية مرعبة. أما العرب فملياراتهم في الخزائن اليهودية في أمريكا وأوروبا، ورغم مالهم الوفير فلا يملكون مصانع سلاح تمكنهم من أنْ يدافعوا عن أنفسهم ويحفظوا كرامتهم، وبقيت السياسة العربية مملوكة بيد الأمريكان. كل ذلك جعل اسرائيل تعلو هذا العلو الكبير، وتمكنت من السيطرة على عواصم القرار العالمي بعد سيطرتها مالياً وإعلامياً. فطغوا وتجبروا وجعلوا من المسجد الأقصى ساحة إفساد لقطعان جنودهم، والعرب لاهون، وبأسهم بينهم شديد، غير مكترثين لما يجري في المسجد الأقصى والقدس العربية. العرب منشغلون في خلافاتهم، واسرائيل مشغولة بقتلهم في فلسطين وفي خارج فلسطين.إنه لطغيان يهودي كبير واستبداد ما بعده استبداد أنْ تقوم اسرائيل بهدم بيوت العرب في مدنهم وقراهم، ثم تجبرهم أنْ يدفعوا تكاليف الهدم أضعافاً مضاعفة دون أنْ ينتفض العرب لكرامتهم، إنـه ذل ما بعده ذل.
لقد انتفض المقدسيون رجالاً ونساءً وأعلنوا تمردهم الجماعي ضد الإحتلال الإسرائيلي بالصلاة على أرصفة شوارع القدس رفضاً لمحاولة الإستيلاء على المسجد الأقصى الذي يمثل خط الدفاع الأخير عن عروبة القدس، وتحرك الأردن لنصرة المسجد الأقصى بما استطاع ، ولم يدخـر جهداً وخاض غمار الدبلوماسية بقوة وأنفـة، وكان فاعلاً قوياً في مساندة الشارع الفلسطيني الذي انتفض مستنكراً همجية الإحتلال، ولم يرضخ المقدسيون للأمر الواقع حتى انتصر في مسعاه في ظل صمت عربي رهيب.
لقد تشتت اليهود فيما مضى في أنحاء العالم، وذاقوا الأمرَّين على يد الأوروبيين، ولم يحمهم ويعطف عليهم إلاّ العرب في عصورهم المتعاقبة وخاصة عرب الأندلس، لكنهم تنكروا للعرب، ونسوا ما كانوا عليه من ذل وهوان، وأذاقوا الفلسطينيين سوء العذاب.
يخطيء من يظن أنّ لليهود عهد وميثاق، والتاريخ خير دليل على ذلك لمن يقرأ التاريخ، لقد وصفهم الله تعالى بأنهم قتلة الأنبياء، وأنّ لا عهد لهم ولا ميثاق، فقد انقلبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف نـثـق بوعودهم وعهودهم، ونركن إلى الإتفاقيات مع من احتل الأرض ويتباهى بالقتل. لن يحمي العرب اتفاقيات وعهود بل تحميهم قوتهم فقط فإن عجزوا عن بنائها، فأمرهم سيصير إلى ما صار عليه أمر العرب عام 1099م عندما احتل الصليبيون القدس، فعمدوا إلى ارتكاب مجازر يصعب إيجاد نظير لها في تاريخ العالم، حيث ذبحوا جميع أبناء مدينة القدس ذكوراً وإناثاً صغاراً وكباراً، وامتلأت شوارع المدينة بالرؤوس المقطوعة والأيدي والأرجل، حتى أنه كان يصعب المشي دون التعثر فيها، وخاض الصليبيون بدماء العرب إلى الركب في بعض الأماكن كما يقول مؤرخوهم.
مخططات اليهود استقوها من أساطير وأوهام التلمود، لكنهم آمنوا بها ويسعون لتحقيقها بكل الوسائل الخبيثة، ويدركون إلى أين هم ذاهبون. أما العرب فقد أوكلوا أمرهم لغيرهم، فويلٌ لهم مما يصنعون بأنفسهم.
لقد جاء اليهود لفيفاً من كل بقاع العالم واغتصبوا فلسطين بالقوة وبمساندة الدول العظمى ، لكن مهما علا شأنهم فهم إلى زوال عندما يقيِّض الله لهذه الأمة من يأخذ بيدها إلى العلا ولات حين مندم.