حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,17 مايو, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 10354

العدوان على غزّة وجبهة الثقافة

العدوان على غزّة وجبهة الثقافة

العدوان على غزّة وجبهة الثقافة

06-12-2023 09:14 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. صلاح جرّار
الحرب التي يشنّها الاحتلال الصهيوني على غزّة والضفّة الغربيّة وعلى الشعب الفلسطيني هي حربٌ عسكرية واقتصادية وجغرافية وسكّانيّة وثقافية.

وأمّا الجبهة الثقافية من هذا العدوان فهي في نظري جوهر المواجهة، وهي البداية كما هي النهاية والنتيجة، وهي المحرّكة للجبهات الأخرى كما أنّها الأكثر احتداماً بين الجبهات كافّة وإن كانت الجبهة العسكرية هي الأكثر ظهوراً على الأرض وفي وسائل الإعلام المختلفة، مع أنّ المواجهة العسكرية هي مجرّد وسيلة لتحقيق أهداف المواجهة الثقافية.

وأكثر ما يدعو إلى وصف العدوان على غزّة والضفّة الغربية والشعب الفلسطيني بالحرب الثقافية هو سعي الصهاينة ومن يقف وراءهم من الدول الغربيّة إلى تغيير هويّة الأرض والسكّان في فلسطين من هويّة عربيّة إسلاميّة إلى هويّة يهوديّة، والهويّة في المفهوم الثقافي هي العنصر الأساسي والمركزي في ثقافة أيّ أمّة، ويندرج تحتها العقيدة والتاريخ والتراث واللغة والآداب والفنون والعادات والتقاليد، وقد استهدف المحتلّون الصهاينة هذه العناصر جميعاً. وهذا ما يفسّر الاقتحامات المتواصلة للمسجد الأقصى المبارك والاعتداء على المصلّين فيه ?منعهم من الوصول إليه وإجراء المزيد من الحفريّات تحته بحثاً عن الهيكل المزعوم، وهذا العدوان على الأقصى هو عدوان على أحد أهمّ المقدّسات الدينية التي تعدّ مكوّناً أساسيّاً من مكوّنات عقيدة أهل فلسطين والعقيدة الإسلاميّة عامّة، وكذا يقال عن الحرم الإبراهيمي في الخليل وغيره من المقدسات.

كما أنّ العدوان على الهويّة الفلسطينية أرضاً وشعباً يفسّر ما شاهدناه خلال العدوان على غزّة من استهداف للمساجد والمدارس والجامعات وجميعها يمثّل رموزاً ثقافية ورموزاً للهويّة الفلسطينية، كما أنّ هذا العدوان يفسّر محاولات الاحتلال الصهيوني لتغيير المناهج التعليمية في الأراضي المحتلة وذلك لكون المناهج الناقل الأكثر أهمية ونجاعة للثقافة الوطنية والأكثر تعبيراً عن الهويّة الفلسطينية.

وعلى الرغم من امتلاك دولة الاحتلال لوسائل تكنولوجية وإعلامية فائقة حيث تخطى بدعم بالغٍ من وسائل الإعلام الغربيّةمن قنوات فضائية ووكالات أنباء وصحف وغيرها إلاّ أنّ الأسلحة الثقافية لدى الفلسطينيين أكثر قوّة وتنوّعاً ومصداقية وثأثيراً وفاعليّة، فتاريخ هذه الأرض المتجذر في العراقة شاهدٌ على هويّتها العربية والإسلامية، والآثار العربيّة الإسلاميّة التي لا تحصى هي شاهد آخر، وسكّان فلسطين وأصولهم العائلية التي ترجع لقرون طويلة شاهدٌ ثالث، ومساجدها وكنائسها شاهد رابع، ولغتها وعاداتها وتقاليدها وملابسها وفنونها وآد?بها وأطعمتها وغير ذلك كلّها شواهد غير قابلة للنقض أو النقاش.

أمّا الأسلحة الثقافية في أيدي المحتلّين الصهاينة فهي أسلحة قابلة للنقض والتفنيد وهي كلّها مصطنعة وتعتمد على رواية توراتية خرافية، كما أنّ المجتمع اليهودي الذي يدّعي حقّاً له في فلسطين لا ينتمي إلى ثقافة واحدة، بل إلى ثقافات مختلفة تمثّل البلدان التي جاء منها هؤلاء اليهود إلى فلسطين مثل أكرانيا وروسيا وبولندا وألمانيا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وبلغاريا ورومانيا وهنغاريا وإثيوبيا وغيرها. أمّا أهل فلسطين فينتمون إلى ثقافة واحدة هي الثقافة العربية والإسلامية. ومن هنا فإنّه لا توجد أيّ فرصة لتغلّب الاحتلال الصهي?ني على الفلسطينيين في المواجهة الثقافية. ويكفي أن يكون المحيط الذي تقع فيه فلسطين محيطاً عربيّاً إسلاميّاً كي تحافظ على هويّتها العربيّة الإسلامية وتستمدّ من هذا المحيط عناصر قوّتها الثقافية.

وكي يعوّض الاحتلال الصهيوني خسارته أمام الفلسطينيين على الجبهة الثقافية فإنّه يشدّد من ضرباته عليهم في الجبهة العسكريّة ظناً منه أنّ ذلك يمكن أن يحقّق له النصر على الجبهة الثقافية، وهو وهم كبير لا توجد أيّ فرصة له لتحقيقه، على الرغم من أنّ بعض وسائل الإعلام العربيّة تردّد بعض المصطلحات والمفاهيم التي تستخدمها وسائل الإعلام الغربيّة، علماً بأنّ كثيراً من هذه المصطلحات والمفاهيم هي صهيونيّة المنشأ والصناعة والمولد.

ولذا فإنّ على المثقفين الفلسطينيين والمثقفين العرب أن يستمرّوا في مواجهة هذا العدوّ الطارئ بكلّ أدواتهم الثقافية الممكنة من دراسات تاريخية وآثارية وفكرية وأعمال أدبيّة وفنيّة ومقالات وندوات ومحاضرات وترجمات وعبر المنابر التعليمية والثقافية المختلفة.

Salahjarrar@hotmail.com


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 10354
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
06-12-2023 09:14 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم