30-03-2022 12:07 PM
بقلم :
الرزق من الأمور التي تشغل بال العديد منا، وربما هي سبب التعب والإرهاق الذي يعاني منه الكثير، لدرجة أن الناس باتوا يتسابقون من أجل تحصيل المزيد من الرزق كما يزعمون.
ويقتصر تعريف الرزق في مخيلة الكثير من الناس على أنه رصيد في البنك، أو عقار، أو سيارة فارهة، أو غيرها من الممتلكات التي يمكن تحويلها الى مال، وإذا ذُكر الرزق في أحد المجالس يبدأ الجالسون في تعداد الأملاك والعقارات والتباهي بالأرصدة القابعة في البنوك.
ولكن مفهوم الرزق أوسع من تلك الجزئية الصغيرة التي حصره الناس بها، ويمتد الى الكثير من جوانب حياتنا، فالإيمان الذي وُلِدت عليه هو أفضل رزق قد تحصل عليه في حياتك، بل هو نعمة من عند الله عز وجل والذي هداك الى الصراط المستقيم بينما يخر البعض سجداً للبقر والفئران والنار والأصنام.
الصحة رزق كبير من الله، تجده في أجزاء جسدك المتناسق والذي وهبك الله إياه من غير حول منك ولا قوة، تجده في نعمة البصر التي لم تكلفك شيئاً وغيرك بحاجة الى مبالغ كبيرة لينعموا بها. تجده في الكلى التي تعمل على فلترة 150 لتراً من الدم يومياً بينما البعض يعاني من الأوجاع والآلام ثلاث مرات أسبوعياً ليجد بعضاً مما تجده من الرزق، تجده في القلب؛ تلك العضلة الصغيرة التي لا يتعدى حجمها قبضة اليد، والتي تعمل بلا كلل أو ملل لعشرات السنوات وتنبض خلال حياتك ما يقارب 2.5 مليار مرة، ويضخ 1.5 مليون برميل من الدم تتدفق في 60000 ميل من الأوعية الدموية ويصل الى 75 ترليون خلية في جسمك
ستجد الرزق في صدقة تخرجها الى محتاج فيرفع أكفه الى الله ويلهج لسانه بالدعاء لك، بينما يكنز الكثير من الناس الأموال التي ستكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم.
ستجد الرزق في طفل يرزقك الله إياه بسهولة ويسر، بينما يجلس غيرك طويلاً على عتبات عيادات العقم، ويخضعون لعميات الإنجاب الصناعي وأطفال الأنابيب وينفقون الأموال الطائلة في سبيل تحقيق مطلب وجدته من دون إنفاق أو ألم أو إنتظار. وربما يكون رزقك في تفوق أولادك في التعليم ليجدوا التعليم المجاني بإنتظارهم وتتسابق عليهم المدارس والجامعات، بينما يعاني غيرك من الدروس الخصوصية ورسومها التي ترهق الكاهل وتستحوذ على جزء كبير من الدخل.
قد تجد الرزق في وقت يبارك الله لك فيه لتقرأ يومياً عدة صفحات من كتاب الله، أو تصلي ركعتين في جوف الليل، بينما غيرك حرموا من هذه النعمة وإنغمسوا في ملذات الدنيا ومطايبها وأحلامها الوردية.
قد تجد الرزق في مصيبة كبيرة كانت على وشك أن تنزل بك لتكبدك المعاناة الجسدية والمادية، فحال القدر بينها وبينك ونجاك الله منها، لتوفر عليك كل تلك المعاناة والكدر والهم.
إذا أمعنت النظر فيما حولك ستجد الكثير من الرزق الذي وهبك إياه الله من غير كد أو تعب، وإذا كنت من أصحاب النظرة السلبية الذين لا يشاهدون الإيجابيات ويبحثون عن السلبيات، عليك أن تتأكد بأنك لن تفارق الدنيا إلا بعد أن تستكمل جميع ما كتب الله لك من رزق.
أختم هذا القانون بموقف حقيقي وقصة خيالية، أما الموقف فهو أن أحد الموظفين قد حصل على زيادة في المرتب من دون تفوق أو تميز يذكر، دفعت العديد من زملائه الى الإعتراض على تلك الزيادة التي خُص بها، بينما التزم العديد منهم الصمت إزاء موقف كهذا. في ظروف عدة أيام من تلك الزيادة نزلت بذلك الزميل مصيبة في أحد والديه ودخل في سلسلة طويلة من الإجراءات الطبية والعلاجية التي كلفته مبالغ كبيرة. فسبحان من رزقه ذلك المال ليعينه على بلوى نزلت به من أجل تخفيف المصاب عليه.
أما القصة؛ فلقد ذُكرت في كتاب "كليلة ودمنة" وأذكرها هنا بتصرف، والتي تتلخص بأن أربعة نفر إصطحبوا في مسيرة، الأول كان ملكاً ورث الملك عن أبيه ثم إستئثر أخوه بالملك وطرده من المملكة من غير حول له ولا قوة، والثاني تاجر من أصحاب الأموال تعرض لخسارات متتالية ثم أعلن إفلاسه، والثالث أحد أشراف القوم متميز بالوسامة وتخلى عنه أفراد أسرته فهام على وجهه، والرابع عامل بسيط يقوم على خدمتهم.
في إحدى جلساتهم إختلفوا في أسباب الرزق، فقال الملك بأن الرزق يعود للقضاء والقدر، وقال الشريف الوسيم بأن الجمال هو ما يجلب الرزق، والتاجر أكد لهم بأن الحيلة والذكاء هي من أهم أسباب الرزق، أما العامل فأعلن بأن الكد والتعب هو ما يجلب الرزق فقط. وإتفقوا أن يقوموا بالتناوب بزيارة المدينة التي تقع بالقرب من مجلسهم يومياً ليبحثوا عن الرزق ويعودوا في المساء بالطعام والزاد.
بدأ العامل في اليوم الأول زيارته الى المدينة بالتوجه الى السوق، وسأل أحدهم عن عمل يجلب الطعام لأربعة نفر، فأشار عليه بالتحطيب وأعاره فأساً يعمل به، توجه العامل الى الغابة وعمل بجهد كبير، وعاد في نهاية اليوم الى السوق ليبيع الحطب بدينار ويشتري به طعاماً لرفاقه، ولحظة خروجه من المدينة كتب على بابها: "عمل يوم بدرهم".
جاء دور التاجر في اليوم الثاني، بدأ عمله بالتجوال في الأسواق والإستماع لأقول التجار وأحاديثهم، والإستفسار من بعضهم عن أحوال التجارة، وعلم بأن هنالك سفينة قد رست على شاطئ المدينة، وإتفق التجار على عدم الشراء منها خلال اليوم، وسيشترون في الغد بسعر أقل بعد أن يدرك صاحبها حالة الكساد المصطنع التي تعانيها المدينة. ذهب التاجر الى صاحب السفينة واشترى منه جميع البضائع على أن يسدد له الثمن في الغد، وعندما علم التجار بأن أحدهم قد إشترى بضائع السفينة هبوا يعرضون عليه الأرباح، وإتفقوا في النهاية على تسديد ثمن البضائع لصاحب السفينة بالإضافة الى عشرة دنانير للتاجر كأرباح.
أخذ التاجر الدنانير العشرة في جيبه وتوجه للسوق وإشترى طعاماً طيباً لرفاقه، وعند خروجه من المدينة كتب على بابها: "ذكاء يوم بعشرة دنانير".
في اليوم الثالث إنطلق الشريف الوسيم لتحصيل الرزق له ولأصحابه، ولكنه لا يطيق العمل كالعامل، ولا يملك حيلة كالتاجر، وبعد أن أعياه التعب في البحث عن عمل؛ جلس تحت شجرة ظليلة، وأخذته سِنة من النوم. مر به أحد الفنانين وهو نائم، فأدرك جمال المنظر الطبيعي الخلاب من الأرض الخضراء والشجرة الوارفة الظلال وذلك الوجه الوسيم البريء النائم، فرسم لوحة جميلة جداً، وعندما أتمها استفاق الشريف، فصارحه الفنان بما قام به، وإتفقوا على بيع اللوحة وإقتسام ثمنها.
وعند ذهابهم لبيع اللوحة عرض عليهم أحد الأغنياء مئتي دينار، فوافق الطرفان، وأخذ الشريف مئة دينار ليشتري الطعام ويعود الى أصحابه، وكتب على باب المدينة: "جمال يوم بمئة درهم".
إنطلق الملك المخلوع في اليوم الرابع دون أيّ أمل يلوح في الأفق، فلا قدرة له على العمل كالعامل المجتهد، ولا يملك حيلة التاجر، ولا يملك جمال الشريف، ولكنه تربي في بيت الملك وعلِم تفاصيله وعاداته.
عند دخوله للمدينة تفاجأ بأحدهم يعانقه ويصافحه بحرارة، ويسأله عن مدينته التي هو ملك عليها، فأخبره بخبر أخيه الذي إنتزعه عن العرش وطرده، فقال له الرجل: سبحان الله، اليوم مات ملكنا، والناس مجتمعون في دار الشورى لإختيار ملك، ولم يجدوا من هو أهل لذلك حتى الآن وقد تجد الفتنة طريقها بينهم، فأخذه اليهم وقال: لقد أتيتكم بملك لا تختلفون عليه، تربي في بيت الملك، ويملك من الخبرة ما يكفى لقيادة هذه المدينة الى بر الأمان، إستحسن الناس الإختيار وبايعوا الملك الجديد على ذلك.
في المساء وأثناء تجول الملك في المدينة لتلقي التهاني من أهل المدينة، وصل الى بابها، وشاهد ما كتبه رفاقه عليه، فكتب تحت كتابتهم: "القضاء والقدر وهب لي الملك".
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-03-2022 12:07 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |