15-03-2022 09:13 AM
بقلم :
نظراً لانتشار وسائل التواصل الاجتماعي الاليكترونية المتزايد كماً ونوعاً، ونظراً لاشغالها حيزاً لا يغفل عنه من حياتنا الواقعية كمجالس لها أصولها، لا بد لمستخدميها من تدبر مدلولاتها، وربطها مع مفاهيم التواصل مع الناس اليكترونيا وعرفاً وديناً، وبدون هذا الربط ومحاولة اتباع أساسياته، سيتولد الكثير من المشاكل والمعاتبات والقطيعة بين الناس، وتبدأ عمليات الحظر الفعلي او النفسي تلاحقهم في حياتهم الافتراضية، ولربما تطاردهم في واقعهم كذلك، وبهذه العجالة بعض الروابط المفيدة المبنية على اسس برمجتها اليكترونيا اضعها لإطّلاعكم للفائدة؛
اولاً؛ الايميل والرسائل النصية بالواتس / الماسنجر والتعليقات على المنشورات في الفيس وغيره؛ هي مهارة تواصلية مبنية على أساس اتصالاتي يسمى (simplex communication channel)؛ تمنح الكاتب والقارئ فرصتي الكتابة والقراءة بأريحية، وبطريقة غير آنية وغير متزامنة بينهما، مما يحدوهما التفكير والتعديل والرد بحرية وتأني، لقول علي بن ابي طالب ارفعوا مسائلكم الينا بالرقاع فإنه أحفظ لماء الوجه. بينما التخابر الصوتي او المرئي في بث حي ومباشر, ويسمى (full duplex communication channel)، سواء في الهاتف او الماسنجر وأشباهه من فايبر وايمو وغيرها، هو آنيّ فوريّ لحظيّ، يتطلب تبادل افكار او ادارة حديث متزامن بين الطرفين، ويحبذ ان يأتي في مرحلة متقدمة بعد الاتفاق على القيام به برسالة نصية يذكر فيها فكرة عن الموضوع، لما في غياب تنسيقه من احراج للطرفين وعدم جاهزيتهما للطرح او الرد الآنيين، فضلا عن عدم توفر عامل الاستئناس المذكور بالقرآن الكريم. ويليه تسلسلاً المقابلة الشخصية بعد الاتفاق الهاتفي او النصي على موعدها ومكانها، والتي حال عقدها تُفعل بها لغات اخرى تفهم من العيون وحركات الايدي وايماءات قسمات الوجه. وبهذا الترتيب، تستقيم امور الاستئذان والاستئناس واختيار الاوقات المناسبة لتبادل الطروح والردود. وبالرغم من وجود الايموجي ذات الوجوه الحزينة والضاحكة والنائمة والمريضة وقلوب الحب وغيرها، الا انها لا تكون ذات مشاعر حقيقية بما يكفي كالمقابلة الشخصية الحقيقية او المكالمة الهاتفية، بصادق صوتها وانفعالاتها وايحاءاتها المسموعة والمرئية.
ثانياً؛ المفترض بالتواصل بين الناس ان يكون لكل سؤال جواب، وخاصة اذا كان نوع التواصل استفهامي وليس اخباري او معلوماتي، فرد السلام واجب، واجابة رسالة يطلب فيها معلومة واجب، والرد اللطيف على سؤال حاجة مادية بالقبول بدون منة او بالرفض بعذر، واجب كذلك، فلا يجب اهمال رسالة تتطلب جوابا، وخاصة بعد تاكد قرائتها بخطين زرقاوين، ولو بعد حين، فوجودهما يعني تأكد استقبالهما من المرسل واكتمال قناة التواصل بينهما. وكذلك من يتلقى تعليقا طيبا على منشور له وجب الرد عليه ولو باعجاب، او بيان وجهة الاختلاف بالنظر في حال الاختلاف، ولكن ليس صحيحا اهماله بتاتا، وهذا يشبه ما يحدث في ادب المجالس وما يرافقها من طيب القول والرد. فلا يظنن المرسل انه في منأىً عن الناس بكلامه البذيء او باهماله، فالكل يشاهد ويقرأ، ولا يكونن كمن خلا بأرض، فطلب الطعن وحده والنزالا.
ثالثاً؛ التواصل بين الغرباء يبدأ بالتعريف على النفس (handshaking acknowldgement). فبدونه لا يكتمل اي تواصل، ولا يلام أيّ مستقبلٍ لرسالة لا يعرف صاحبها ان يهملها ولا يرد عليها، فهذا من اصول ادب التعارف بين الناس، وخصوصا أولئك الذين لا يضعون صورة لشخصياتهم بالصفحة الاليكترونية خاصتهم.
رابعاً؛ فلسفة الحظر بنوعيه؛ النفسي بعدم المشاركة، او الفعلي بال block او الغاء الصداقة نهائيا ، هي نسبية تعتمد على طبيعة التواصل الذي تم بين الطرفين، وهي متاحة بكل وسائل التواصل، ولكنها منبوذة بين الاقارب من باب صلة الرحم، وقد تكون بأقصاها بإلغاء الصداقة على الاكثر، وبدون حظر فعلي يغلق ابواب الوصل والود المتأمل بعد ثلاث ليال من الجفاء .
خامساً، فلسفة الاعجاب like من عدمه هي امر نسبي كذلك، فما يعجب شخصٌ من منشورات شخصٍ آخر هذا اليوم قد لا تعجبه في يوم آخر، وقد لا ترقى لمستوى اعجابه بتاتا، ولكنه يحتفظ بالصداقة لغايات الافراح والاتراح المشتركة بينهما، فاللايكات ليست قرضة او دين، انما هي (تكلم لأراك) و (إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه)، اذا لا يفترض بين المتواصلين الغضب والبلوك لشخص لمجرد عدم وضع اللايك من قبله، فهذا امر يخص الاذواق والفهم وعوامل اخرى.
سادساً وأخيرا؛ قبول الصداقات من عدمها، وخصوصا اصدقاء الاصدقاء، الذين قد لا يعرفهم المستخدم للفيس ولم يلتقِ بهم بتاتا في الواقع، فهذا كذلك امر نسبي وذو خطورة، الفيس بوك أمسى كمجالس افتراضية قد تحوي خصوصيات لا يود صاحبها ادخال الغرباء اليها فيعرفونها، بل لا يفترض به فعل ذلك ما لم يتأكد من هويتهم. وعددهم الكبير بلا مشاركة لا فائده منه ولا منهم، وخاصة هؤلاء الذين لا يرسلون ولا يستقبلون، حتى بالتهاني وبالتعازي جامدون، فعدم قبولهم اصلا بالصفحة الشخصية يفسح مجالا لاخرين مشاركين او متفاعلين أكثر ضمن محدودية العدد، وهذا من باب التواصل الايجابي المحبب ولو بالمناسبات فقط.
مقصد القول؛ ما كان سابقاً يُعد عيباً عرفاً او حراماً ديناً بتعاملات الحياة الواقعية، سيبقى كما هو عليه اذا اختلفت وسيلة التواصل الى اليكترونية افتراضية، لا اختلاف بالأصول ان اختلفت القشور ابدا، فالحياة في تطور مستمر منذ العصر الحجري والبرونزي، ولكن الاخلاقيات بالتواصل بين الناس هي ذاتها لا تتغير مع تغير اساليبها.
خلاصة القول؛ لكل مجلس ادبه وقواعده، وتلك هي مجالسنا الافتراضية في زمن الالفية الثالثة، ولأبنائنا من خلفنا، فلنترك لهم مدارس بتلك المجالس، يتعلمون منها، لهم ولاحفادهم، كل طيب أصيل، وكل احترام مع الكبير، وكل عطف على الصغير.
أحمد الحسبان
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
15-03-2022 09:13 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |